"ابتلاءُ ليلى"
أتوبُ عن كلِّ ذنوبِ الدنيا
وأُخلِصُ بالتوبةِ لتكونَ نصوحًا
أما عن ذكرِ ليلى وزيارتِها في الأبياتِ،
فواللهِ لا أتوبُ!
فكيفَ لقلبٍ مشتاقٍ أن يتوبَ
في الأشهرِ الحُرُم؟
بعشقِ ليلى قد ابتُليتُ،
وكيفَ لي أن أهجرَ هذا الابتلاء؟
فالفؤادُ يهوي بين ذراعيها،
والعينُ تُدمنُ لُقياها.
فكيف أنسى ابتلاءَ ليلى
وقد ابتلاني أبدَ الدهر؟
تغزُّلًا بها في الأشعارِ،
ورثاءً للقاءِ،
كنتُ معها طفلًا لا يعرفُ
معنى الكلامِ.
فقد كنتُ أطوفُ ممسكًا بطرفِ ثيابها،
حتى لا تغيبَ عن مقلتي،
فأشرعُ في البكاءِ.
أين غدوتِ يا ليلى؟
كنتِ حياتي،
مرَّ الزمانُ وبقيَ القلبُ بالانتظارِ.
أنتمي إليكِ كأنكِ وطني وملاذي،
أفرُّ لضلوعِكِ
حين أجدُ الزحامَ.
في الأشهرِ الحُرُم،
وفي مكةَ مكانِ البركاتِ،
أتوبُ بين قلوبٍ تعلَّقتْ بإخلاصٍ،
لكنْ ما أتوبُ عن هواكِ.
فيا ليلى، ماذا عسى أن أفعل؟
كنتِ جارتي أمسِ،
والآن أبحثُ عنكِ.
أبحثُ بين نساءِ الأرض،
وما وجدتُ ليلتِي.
بين الحاراتِ والأزقّة،
وبين الخيامِ،
ما وجدتُ لكِ شبيهًا بالجمالِ.
كعربيٍّ جاهلٍ بمعنى الاستسلامِ،
سأبحثُ عنكِ حتى آخرِ الأنفاسِ.
فما فعلتِ بي يا بنتَ الساداتِ؟
لقياكِ عيدٌ،
وهجرُكِ ابتلاني.
شربتُ كؤوسَ الخمرِ كي أنساكِ،
فنسيتُ الخمرَ والساقي،
وما نسيتُ شيئًا من ذكراكِ.
أطوفُ بين القبائلِ،
سائلًا ليس عن الماءِ،
ولكن عن نجمةٍ خُلقتْ لتكونَ بالسماءِ.
فكيف يعرجُ عبدٌ
لأبعدِ مكانٍ لنظرةٍ واحدة،
يكون ثمنُها روحًا،
ولا يضمنُ اللقاءَ؟
أما عن هواكِ يا ليلى،
فهو الذنبُ الوحيدُ الذي لن أتوبَ عنهُ،
كيف أتوبُ عن شوقٍ يسكنُ صدري،
وعشقٍ قد صار دمائي وشرياني؟
أراكِ في أحلامي طيفًا
يُشرقُ على ظُلماتِ ليلي،
ويمنحُ القلبَ أملًا
يُشبهُ الصبحَ إذا تنفسَ.
يا ليلى،
كلُّ شيءٍ يذكرني بكِ،
الرياحُ تحملُ صوتَكِ،
والنجومُ تُشبهُ عينيكِ،
والقمرُ يُخبرني عن جمالكِ.
بحثتُ عنكِ في كتبِ الشعراءِ،
وفي قصائدِ العاشقين،
لكن ما من كلمةٍ
تُعبّرُ عنكِ كما أراكِ.
يا ليلى،
قد كنتِ حلمي قبل أن أعرفَ معنى الأحلام،
كنتِ قصتي قبل أن أكتبَ الحروف،
كنتِ موطني وأنا الغريبُ،
كنتِ دائي وأنا الراضي بالآلامِ.
فكيف لقلبٍ عاشقٍ أن ينسى؟
وكيف لجفنٍ أن يغفو
وقد صار دمعهُ نهرًا يجري باسمكِ؟
أراكِ في وجوهِ النساءِ،
لكنَّ وجهكِ يرفضُ التكرارَ،
وكأنكِ خُلقتِ وحدةً
لا شبيهَ لها بين الخلائقِ.
أيتها الساحرةُ،
كيف جعلتِ من قلبي ملكوتًا لكِ؟
كيف أوقدتِ نارًا
لا تنطفئُ إلا بلقياكِ؟
سأبحثُ عنكِ حتى ينقطعَ النفسُ،
حتى تصمتَ الرياحُ،
حتى تجفَّ البحارُ،
فأنتِ، يا ليلى،
حبٌّ لا يموتُ،
وحكايةٌ لا تنتهي.
بقلم شاعر رفعت رضا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق