الاثنين، 28 أكتوبر 2019

من واقع الحياة .. رواية ..سقراطة الشرق : سياده العزومي ( عضو اتحاد الكتاب )

من كتاب العب عالميا
من واقع الحياة
سقراطة الشرق : سياده العزومي
غيثٌ وعاصفة(الجزء الاول )
في إحدى الليالي، لبس الليل عتمته وغطى وجه القمر والنجوم، فتحتِ السماء أبوابها، انهمر الغيث صافعًا وجه الأرض وما عليها، بعين برقٍ متفجر كاد يخطف الأبصار المستيقظة ناحتًا على وجهها البرك وكاسيها بالطين، علا هزيم العاصفة، أخذت تطرق سقف وجوانب منزلنا الكائن وسط الحقول على الطريق، تطرق بيدها ورجليها على بابه المفتوح على مجرى النهر.. سكن الجن، كما كانت تقول جارتنا العجوز على لسان زوجها، وعلى الرغم من هذا الجو المرعب فإن الطمأنينة كانت تملأ نفسي لوجود أبي وأمي ـ رحمة الله عليهما والناس أجمعين ـ . ولأنني اعتدت على هذا الجو، حيث كنت أذاكر في الثلث الأخير من الليل طوال العام الدراسي الذي كان معظمه في فصل الشتاء، ولا أنكر أن الخوف والتوجس كان يتسرب إلى نفسي أحيانًا، ويتمدد بها، خاصة عندما يراود أذن خيالي حكايات جارتنا العجوز.
كالعادة جلستُ على وسادتي أمام طبليتي الصغيرة، فرشتُ عليها كتبي وعليها مصباح الكيروسين، بعد انتهاء المباراة بفوز العاصفة على أعمدة الكهرباء بلمس أكتاف الأعمدة للأرض، بل لمس الأعمدة من الرأس إلى القدم وانقطاع الكهرباء، قبل الفجر سمعتُ طَرْقاً على الباب، في بداية الأمر ظننت أنه طرْق يد العاصفة، لكنه تكرر، دارت عين فكري في رأسي وشطح خيالي، وقلت لنفسي:
- قد تكون جنية من سكان النهر.
سرعان ما استعذتُ بالله من الشيطان الرجيم، دعوتُ الله أن يسامح جارتنا العجوز، تلمستُ الخطوات واقتربتُ من الباب قائلةً:
- مَن الطارق؟!
وإذا بصوت سيدةٍ عجوز تجيب:
- الحاجة فلانة.
جريت وأنا أسمع إجابتها لأوقظ أبي ـ رحمة الله عليه ـ، قفز من النوم واقفًا، همستُ في أذنه قائلة:
- هناك سيدة علي الباب.
أسرع إلى الباب وأنا وراءه أحمل لمبة الكيروسين التي ارتعشت من الخوف الذي تملكني، فتح الباب، مِلتُ برأس عيني من خلفه، اختلستُ بعض النظرات إليها، وجدتها سيدة ترتدي بالطو ووشاحًا أسودين، في يدها اليمنى حقيبة يلمع مقبضها كأنه مدهون بماء الذهب، والأخرى مربوطة بشاش، الصلاح والنعيم على وجهها، هدأ الخوف قليلاً وسكنت رعشة المصباح بسكون رعشة يدي؛ بقول أبي:
- أهلاً وسهلاً.. حمد الله على السلامة..
ـ تفضلي يا حاجة فلانة.
دخلت السيدة، وجلست على الأريكة قائلةً:
ـ تعطلت سيارتنا عند الكوبري، تركتُ فيها ابني وجئتُ أطلب العون منكم.
ردَّ قائلاً:
- لا عليكِ.. كله خير بإذن الله!..
ووجَّه الكلام إليَّ قائلاً:
- أيقظي أمك.
حينها تأكدتُ أنها ليست جنية، لبيتُ طلبه، تركتُ المصباح في الوسط، استيقظت أمي والنوم يثقل رأسها ويترنح في جسدها، ظلت تستند على الحائط حتى وصلت إليها، سلّمت عليها، ورحبت بها، جلست بجوارها، وهي تفرك بيديها نعاسًا لصق أجفانها بعضها البعض، ثم رجّته رجًّا شديدًا في رأسها فسقط مغشيًا عليه، ابتلعته، أفاقت وسألتها:
- ماذا حدث ؟!
في هذه اللحظة تجسد أمامي الآتي كله، فإذا كنت أجهل صفات السيدة، فأنا أحفظ صفات أمي جيدًا، لن تتركها حتي تأكل أذنها، ولن يصمتا، ويكون حديثهما مطرقة تدق رأسي إلى أجل يعلمه الله، استأذنتُ وتركتهما يموجان مع بعضهما، ذهبتُ أبحث عن مصباحٍ آخر أو شمعة أكمل عليها استذكار دروسي، بالفعل ما لبثا حتى ركبا قاطرة السفر عبر الزمان، سلكا طريقهما إلى الماضي،
مازلت اكتب لكم
دمتم بخير أحبتي
سقراطة الشرق
سياده
عضو اتحاد الكتاب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

سؤال. والصمت الجواب ... كلمات .. عبدالفتاح غريب

  سؤال. والصمت الجواب من أضناه بعد طول الصبر الحنين ومضى على درب ذكرى ولت بمحراب الوتين دام بحلم باللقاء يناجي نجم طيف بالرجاء حجب عن حناي...