"صرخة الصحراء"
قد كان الوَشَقُ وشقي،
حاميَ حمى الأرضِ،
لا يهابُ الأسامي،
فقد داهم جُحرَ الأعادي،
لا يهزّه الأَسَامي،
ولا التسلُّحُ بالآلي.
قد كان مخلوقًا عاديًّا،
وبات بطلًا يحلم به الأهالي،
فما لهُ وهذا وذاك؟
فقد كان محفورًا على الجدران،
من أيام الأجداد،
وهو رمزٌ للقوةِ والاستبسال.
فما لكم في الأرضِ راحةٌ ولا هناء،
فنحن ما زلنا أحياء،
نطالب بصوت الحق،
وبرفع السلاح.
نحن من كنا بالسِّلْمِ ننادي،
ونحن الآن من بتنا بصفوف الأمام،
نَهجُمُ ونُداهمُ، لا نخاف،
فكيف لسيدٍ أن يخافَ،
وقد كنتَ عبدًا لنا،
في يومٍ من الأيام؟
فقد جاء التحركُ منا،
لنحمي كلَّ مَن مِنَّا؛
من رجالٍ ونساءٍ،
وشيوخٍ وأطفال.
جاء أوّلًا ابنُ صلاح،
وها قد جاء الوشقُ،
من بين كثبان الصحراءِ،
يهاجمُ ويقتل كلَّ جبان،
بعقلِ الدارِ الذي ظنّوا أنه الأمان.
فلا أمانَ لكم ولا هناء،
وأنتم لا تَهجُمونَ على الركابِ،
لتودِّعوا رَملَ الصحراءِ،
وتذهبوا إلى اللامكان.
فذاك ما كان لكم؛
التشريدُ والضياع،
يا مجهولي الأنساب.
فكيف لكم أن تهجوا ابنَ الصحراء؟
العربيَّ المعروفَ بين عامةِ الناس،
ذاكَ سيدُ كلِّ مكان،
ذاك نحنُ الأعراب،
ونحنُ من لُقِّبوا بالأسيادِ،
نَهجُمُ ونَهجُو، ولا نُبالي.
فإن كان منكم ردٌّ،
فهُيَ تحدُّثٌ لكي يجئ جوابي،
فأنا على خيلٍ راكب،
وسيفي بالعُلى يُنادي:
هل من مُبارزٍ أمامي؟
فأين راحت الرجالُ؟
وقد اصطفَّ أمامي النساءُ!
فواللهِ ليس من شيمي،
قتلُ السيدات،
لكن إن جاءَ الحربُ،
فلن يقفَ أمامي سوى رُكام،
ركامُ الجثثِ وهي تُباد.
فكيف لكم الحياة،
ونحن لكم القصاص،
لنحكم بشرع الله:
"مَن قتلَ يُقتلُ".
فهيا تعالوا،
فنحن العربَ لا نجثُمُ على الرُّكَبِ،
فهيا تعالَ،
لتكونَ لنا من الأعداءِ،
وليحكم بيننا الميدان.
فارسًا عربيًّا لفرسان،
فهيا تعالَ وأشهِر سيفَك،
فكيف لكَ بميدانِ القتالِ،
رفعُ راياتِ الاستسلامِ،
وطلبُ السماحِ،
بأن تُقيمَ بضعَ ليالٍ؟
فليس لكَ مُكُوثٌ ولا ترحيبٌ،
فواللهِ الجوابُ بالحسامِ غالٍ،
على النذلِ والجبان،
فأنتَ يا من تجهلُ علمَ الأنسابِ،
فواللهِ أنتَ جاهلٌ بكلِّ عزيزٍ وغالٍ،
فتعلَّم لتُحسنَ علمَ الكلامِ،
فنحن أهلُ الشعرِ والهجاءِ،
ونحن آباءُ الشجعان،
وأحفادُ مَن طمسوكم بالماضي،
فكيف لكم النسيان؟
ونحن في كلِّ العصورِ لكم الحساب.
فيا ويحكم، أما آن أوانُ الرحيل؟
أما آن أن تحملوا ما لكم من متاعٍ قليل؟
فلا ظلَّ لكم في أرضِ الأسياد،
ولا مأوى يُؤويكم من لهيبِ الرمضاء،
فما أنتم إلا عابرو سبيلٍ،
ضلُّوا الطريقَ، وأخطأوا العنوان.
قد ظننتم أن الصحراءَ لكم مهاد،
وأن الرملَ يطوي خطاكم بلا أثر،
لكنكم نسيتم أن تحتَ الرملِ جمرًا،
وأن الأرضَ تسقي العدوَّ بالنار،
فمن رامَ أمنًا تحت راياتِنا،
فليحملَ عهدَ السيفِ والإقدام.
أما والله، ما طابت لنا حياةٌ،
إلا على صليلِ الحديد،
ولا عرفنا المجدَ،
إلا فوقَ صهواتِ الخيول،
ولا سلكنا إلا دروبَ العزِّ،
حيث الرجالُ تُعرف بالمواقف،
لا بالمسمياتِ، ولا بالأقوالِ الجوفاء.
فيا أيها المدَّعون المجدَ زورًا،
هلا سألتم الرِّماحَ عنَّا؟
هلا قرأتم تاريخَ آبائنا؟
هلا علمتم كيف نحيا ونموت؟
فما نحنُ إلا قومٌ،
إذا سمعنا النفيرَ شددنا،
وإن نادى المظلومُ لبَّينا،
وإن طُلبت الرقابُ أهدينا،
وإن نزل القضاءُ رضينا،
وإن كان للميدانِ رجال،
فنحنُ أهلهُ، ونحنُ مَن يُعلي الرايةَ،
حتى ينطويَ الزمانُ.
فلا مقامَ لكم بينَنا،
إلا سيوفًا تُبتر،
أو أقدامًا تُسحق،
أو رؤوسًا تُطوى تحتَ التراب،
فنحنُ أسيادُ الأرض،
ونحنُ من نملكُ القرار،
وإن كانت الأرضُ تُعرفُ بأهلِها،
فالصحراءُ تشهدُ أنَّا ملوكُها،
وأنَّا لها الحُماةُ والأسياد.
فامضوا حيثُ شئتم،
فلن تجدوا مأوًى،
ولن ينفعَكم تضرُّعٌ،
ولن يشفعَ لكم استغفار،
فقد كُتبت عليكم لعنةُ الجبناء،
وإن الجبانَ، مهما طالَ عمرُه،
فلن يهنأ إلا في الأوهامِ،
ولن يعرفَ إلا الذلَّ والهوان.
فمن شاء فليثبتْ،
ومن شاء فليُبارزْ،
ومن شاء فليأتِ بعذرٍ،
فإنَّا على سروجِ العزِّ قاعدون،
وبالسيفِ قد سُقينا،
فلا تظنوا أنَّا عن دربِ المجدِ نعود،
ولا تحسبوا أنَّا نُرهب،
فما نحنُ إلا قومٌ،
إن غابت الشمسُ،
كُنَّا لها ضياءً ونورًا،
وإن جفَّت الأرضُ،
كُنَّا لها الغيثَ والمطر.
فهاتوا ما عندكم، إن كنتم لها!
فهاتوا ما عندكم، إن كنتم لها!
فإنا قومٌ لا نُخدعُ بالكلام،
ولا تلهينا الوعودُ والأماني،
فما عزَّت الأرضُ إلا بأهلِها،
ولا سمت الراياتُ إلا بحدِّ الحسام.
فإن كان فيكم فارسٌ، فليتقدَّم،
وإن كان فيكم بطلٌ، فليُنازل،
فما عرفنا في الحربِ إلا الصدق،
وما سلكنا في المجدِ إلا طريقًا واحدًا،
طريقًا يُمهِّده السيفُ،
وتكتبهُ أقدامُ الشجعان،
فلا خضوعَ لمن ظلم،
ولا أمانَ لمن خان،
ولا عهدَ يُحفظُ لمن خافَ يومَ اللقاء.
فهيا، أسمِعونا ما عندكم،
أرُمحٌ يحملُها جبان؟
أم سيفٌ صدئٌ بيدِ مهزوم؟
أم صوتٌ يرتجفُ بين الصفوفِ الخلفية؟
أين من كنتم تدَّعون أنهم رجال؟
أين من زعمتم أنَّ بأسَهم شديد؟
أين من قالوا: نحنُ لها؟
فما رأينا إلا أوهامًا تتبعثرُ،
وأصواتًا تخفتُ تحت وقعِ سنابكِ الخيل،
فأيُّ مجدٍ بقي لكم،
وأيُّ رايةٍ ما زالت تُرفَع؟
أما نحنُ، فأرواحُنا كالسيوفِ،
لا تُثنينا المحن،
ولا تُرهبُنا الجموعُ،
فقد سطرنا أسماءَنا على صخورِ الجبال،
ونقشنا عزَّتنا في قلبِ الصحراء،
فما من ريحٍ تُزيلُ أثرَنا،
ولا من ظلامٍ يُطفئُ نورَنا،
فإنْ كان للحربِ يومٌ،
فنحنُ له،
وإنْ كان للمجدِ رجالٌ،
فهمُ نحنُ،
فلا تختبروا صبرَ الأسود،
فإنَّا إذا غضبنا،
كان لهيبُ الصحراءِ علينا بردًا وسلامًا،
وعلى أعدائِنا نارًا وجحيمًا.
فهاتوا ما عندكم، أو ولّوا الأدبار،
فما للصحراءِ مقامٌ للجبناء،
ولا في سوادِ الليلِ ملجأٌ للهاربين،
ومن رامَ عزًّا بغير سيفٍ،
فلن يجد إلا وهمًا،
ومن طلبَ المجدَ بغير دمٍ،
فما له إلا العار،
فإنَّا قومٌ خُلقنا للميادين،
وعُرِفنا يومَ كانت الرجالُ رجالًا،
فإمَّا حياةٌ في عزة،
وإمَّا موتٌ في سبيلِ الكرامة،
وما بينهما، لا نعرفه،
ولا نرضاه!
وما بينهما، لا نعرفه، ولا نرضاه!
فإما سيوفٌ تقضي بالعدل،
وإما أرواحٌ تُزهقُ في سبيل العهد،
فلا مقامَ بيننا لضعيفِ القلب،
ولا مكانَ لمن هابَ الميدان.
ألا تسمعون صليلَ السيوفِ؟
ألا ترون الخيولَ مُسرَّجةً؟
ألا تشمُّون رائحةَ المعركةِ تقترب؟
فويلٌ لكم مما هو آتٍ،
فقد حانت ساعةُ الحسمِ،
وجاءكم الردُّ من أهلِ العزمِ،
فاليومَ يومُكم،
إما أن تحملوا السلاحَ وتُقاتلوا،
وإما أن تحملوا أمتعتكم وترحلوا،
فلا خيرَ في مقامِ المهزومِ بين الفرسان.
أين كنتم يومَ كنا ننادي بالسِّلمِ؟
أين كنتم يومَ طلبنا حقَّنا بالكلام؟
أين كنتم يومَ بسطنا أيدينا بالعهدِ،
فأبيتم إلا الغدرَ والخيانة؟
أرأيتم اليومَ كيف تكلِّمُكم السيوف؟
أسمعتم ما تقولُه الرماح؟
إن كنتم تجهلون لغةَ الرجالِ،
فهذه صحراؤنا تُعلِّمكم الدرسَ الأخير،
درسًا يُكتبُ بالدمِ،
ويُسجَّلُ على الجباهِ،
فإما أن تكونوا أهلًا للنزالِ،
وإما أن تُطوَى أسماؤكم في صفحاتِ الذلِّ والهوان.
فها قد اصطفَّت الصفوف، وارتفعت الرايات،
والسيوفُ قد شُحِذَت،
والرماحُ قد استعدَّت،
والأقدامُ قد ثَبُتَت في الأرضِ،
فما للجبانِ اليومَ من نجاة،
ولا للمتخاذلِ من مهرب،
فإن كان لكم في القتالِ بقايا أمل،
فتقدَّموا، وذوقوا ما أعددناه لكم،
وإن كنتم تخشون الموتَ،
فافسحوا لنا الطريق،
فنحنُ قومٌ لا نهابُ الردى،
بل نلقاهُ بأكفانٍ مفتوحة،
ونحملهُ وسامًا على الصدورِ،
فيا ويحَكم، أما آن لكم أن تعقلوا؟
أما آن لكم أن تعرفوا من نحن؟
نحن من جُبلت الصحراءُ على هيئتنا،
نحن من إذا قيل: أين الرجال؟
أُشِيرَ إلينا،
نحن من إذا سُئلَ المجدُ عن أسياده،
نطقَ بأسمائنا،
فنحن للعهدِ حُماة،
وللحقِّ سيوف،
وللصحراءِ أسياد،
وللحربِ فرسان،
فلا مقامَ لكم بيننا،
ولا عهدَ بعد اليومِ،
إلا عهدَ السيفِ، وشرعةَ الفرسان
بقلم الشاعر رفعت رضا
بقلم الشاعر رفعت رضا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق