السبت، 9 أكتوبر 2021

من الجاني، ...؟ قصة قصيرة .. بقلم .. مصطفى_نمر

 قد تكون صورة بالأبيض والأسود

يبدو أن أحدهم نسي شيئا مهما ورحل..
انتابني شعور بالجزع لما رأيت دموعها تسبقها في الرحيل، وهو يشير إلى النادل لطلب الحساب في ذلك المقهى الهادئ الذى يقع في أرقى أحياء القاهرة ..
ناوله النادل الفاتورة داخل الجراب الجلدي ، وضع بعض ورقات النقود لم يهتم بعدّها كأنه يتخلص منها ..وأطفأ سيجارته، ودهسها بانتقام في منفضة السجائر، وألقى الجراب، وتركه وتركها ورحل رغم تمسك عيونها به بنظرات الخوف كمن سقطت عنه ورقة التوت الأخيرة ..لملمت أشياءها هي الأخرى، ومن حركة يديها المتوترة ظهر امتلاء عينها بالدموع.. قامت منحنية بعض الشيء، ومشت بانكسار ناحية الباب تاركة منديلها على الطاولة .
دفعني الفضول لأجلس مكانهما قبل أن يأتي النادل ويلملم أشلاء قصة حب أخرى، ويرتب الطاولة، تحركت بسرعة، وجلست مكانها.. ما يزال عبيرها يملأ المكان، وعطره مختلط به، ولاشك أنها من اختارته .. على الطاولة بقايا كوبين من القهوة ناحيته، وكوب عصير مثلج ناحيتها لم تمتد يدها إليه .. أشلاء مناديل مبللة بدموعها وآخر متعرق من مسكة يدها أثناء محاولتها التشبث بالبقاء، أو الشعور بآخر لحظات الأمان ، واعواد كبريت محترقة، وأعقاب سجائر شهدت نفثات النيران من داخله.
تنهيدات ألم، وأنين، ووجع .. شعرت بهم بوجيب قلبي.. من قال إن الماضي يرحل وينتهي بحاضر ..أغمضتُ عيني لأعود قبل دقيقتين لأقف بينهما أراقب عشقهما على مقصلة الواقع ..جنين حكايات الحب الذي ولد مشوها فيجب التخلص منه، والذي لم ترحمه يداه، وهي كانت أضعف من أن تحميه .. وجه الحياة الذي واجههم فقتلا حبهما بقسوته وضعفها .. بهروبه وتشبثها بأهداب أمل كاذب... لم تنفعهما اغانيهما المفضلة، وساعات الليل، والقمر، والنجوم، والنسيم، والورود، والهدايا .. مع أول عاصفة أنزل شراعة، وترك السفينة.. وهي استسلمت للبحر دون سترة نجاة ..تنسمت الحياة موت العشق في معبد الموت .. فارس أحلام لياليها أصبح كابوس نهارها.. سينام اليوم بعدما يضحي بستين سيجارة على الأقل، ويحلم بها.. ستطارده الذكريات، وسيجلده غياب صوتها، ويعذبه هاتفه الصامت ...
ستغلق هاتفها بخذلان الألم، وتحلم بإجهاض حبه من قلبها...ستكون ليلة التضاد.. الحب والكره ،النوم واليقظة ،هدهدة القلب وشقائه ..لا يهم من الجاني، ومن المجني عليه؟ لا يدان الحب ويوضع في محكمة.. ستهدأ فورة المشاعر والمواقف، وسيتمنى أن تعود، وهي ستتمنى لو بقي..اقترب النادل ووهبني ابتسامة استئذان لينظف الطاولة ، فابتسمتُ وسكتّ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

سؤال. والصمت الجواب ... كلمات .. عبدالفتاح غريب

  سؤال. والصمت الجواب من أضناه بعد طول الصبر الحنين ومضى على درب ذكرى ولت بمحراب الوتين دام بحلم باللقاء يناجي نجم طيف بالرجاء حجب عن حناي...