الأحد، 22 أبريل 2018

( الحلقة الثانية عشر والأخيرة ) .. ( وبات الحزن على خدود الجمال ) .. بقلم الكاتبة الأديبة الأستاذة .. سحر الصيدلي

الحلقة الثانية عشر والأخيرة
وبات الحزن على خدود الجمال
بقلم الكاتبة سحر الصيدلي
22/4/2018
نزل خبر وفاة والدي كالصاعقة على نفسي فتلعثمت الكلمات على شفاهي وتحجرت الدموع في عيني وتسارعت دقات قلبي وتلاهثت أنفاسي فقد غاب عن الحياة أعز وأحب إنسان إلى قلبي .. كان سنداً لي وأماناً لمستقبلي فدمرته بفعلتي تلك ويتمت أولاده فهل ارتاح ضميرك أيتها العاشقة الآثمة ؟! وهل اطمأنت نفسك لموت أبيك حسرةً وكمداً عليك؟؟ وساد صمت رهيب تعالت فيه أصوات النظرات الساخطة والمليئة بعذابات السنين .. وشعرت بهول مأساتي مع أهلي فقد حرمتهم من وجود والدي بينهم .. وتكبد إخوتي عناء المسئولية في سن مبكرة فسارعوا إلى البحث عن عمل يسدوا به حاجة العائلة .. أما أخواتي البنات فلم يتقدم لهن خطاب بعد أن ذاع خبر هروبي من المنزل .. لكني وعدتهم أنا ومحمد أننا سنعوضهم عن تلك الحياة التعيسة والظروف البائسة التي مروا بها وطلبت منهم جميعا صحبتي للإسكندرية لنعيش فيها معاً ما تبقى لنا من عمر .. واحسست بأن بعضاً من ألآمي ستزول لو كفرت عن خطيئتي تجاه أهلي وعوضتهم عن فقدان أبي .. ولربما يسامحني القدر وتفتح لي الحياة ذراعيها لأبدأ أنا وهم حياة جديدة تحف بها السعادة والرضى خاصة بعد أن اشتغلت بأحد المشافي الخاصة الذي له مكانته في الاسكندرية فأنا طبيبة ماهرة ومخلصة في عملي .. وهكذا مرت الأيام وانا سعيدة مع زوجي وابني ووالدتي واخوتي... وبعد أن استقر الحال بي وبأهلي بعضاً من الوقت قررت أن الحق منتصر بمدرسة حكومية وكنت سعيدة وفرحة جدا بان منتصر قد كبر وسيدخل المدرسة وافرح به .. لكني تفاجأت بطلب المدرسة للأوراق الثبوتية ودفتر العائلة عندها تذكرت أنه غير مسجل باسم أبيه فانسحبت من عند المديرة بهدوء ودموعي ترافق خطواتي .. ترى ما هو مصير هذا الطفل ؟! وكيف سيكمل بقية حياته ؟! وهل سيكون قدره أن يعيش في ملجأ للأطفال مجهولي النسب ؟! هنا دارت الدنيا بي وكدت أن أسقط مغشياً علي .. وعدت إلى المنزل وأنا أحاول أن أستجمع شجاعتي وكل قواي لكي أطلب من زوجي محمد أن يقبل بأن أنسب منتصر اليه فقد كان هذا هو خيط الأمل الوحيد الذي تشبثت به .. لكنني تفاجأت برفض محمد للموضوع بشكل قاطع وأخبرني بمدى حبه لمنتصر وعطفه عليه وبأنه يشعر بالفعل أنه ابنه لكن موضوع النسب هو أمر أخلاقي وديني وقانوني لا يمكن التلاعب به .. كما أن تاريخ ميلاد منتصر يسبق زواجنا بسنوات عديدة .. وقد رجاني أن أعذره وأقدر موقفه .. فما كان مني إلا أن لجأت إلى والدتي وفاتحتها في الأمر .. كانت أمي تحدثني وعيناها ترمياني بصمت بسهام اللوم على ما اقترفته بحق نفسي وحق عائلتي بعد أن خنت ثقتهم في ولوثت شرفهم في الوحل بفعلتي النكراء .. وقالت لي ليس لك من سبيل يا ابنتي سوى أن تبحثي عن والده وتحاولي إقناعه بأن ينسب ابنك إليه ... فكرت مليا بكلمات والدتي واقتنعت فعلا بانه عليَ البحث عن شريف كي أنقذ حياة ولدي منتصر وليثبت نسبه اليه ويعترف به ليكمل منتصر حياته بسلام ودون أن يصيبه عار الفضيحة ..وبعد البحث والسؤال اكتشفت ان شريف استقر في الاسكندرية وأصبح يعمل بإحدى الشركات الكبرى فأخذت عنوانه وذهبت إليه ..وعندما رآني ركض بلهفة نحوي ومد يده بالسلام وعيناه غير مصدقة ما ترى لكن وجهي كان متجهم كحجر لا ينطق غابت عنه الكلمات والحروف ولم يظهر على قسماته شيء سوى الأحزان وأوجاع ذكرياتي الأليمة معه .. وعندما شعر بفتور سلامي تراجع للوراء وجلس على كرسي مكتبه وبدأ يسالني عن احوالي وما عمل بي الزمن ..قلت له لقد كنت أبحث عنك لأتحدث معك في موضوع هام .. وقبل أن أبدأ في الحديث معه قاطعني وعلامات الحسرة والندم بادية على وجهه وطلب مني أن أسامحه على ما فعله بي ثم روى لي قصته مع الزمن وكيف أن الله عاقبه على ما أجرمه بحقي بعد أن أحب امرأة من الغرب وتزوجها ثم حملت بطفل لكنها توفت هي وجنينها أثناء الولادة ثم تعرض هو بعد ذلك لحادث سير أفقده القدرة على الإنجاب فانقلبت سعادته إلى تعاسة وأحاط به اليأس من كل جانب وقرر العودة الى بلده يائساً محطماً بعد أن فقد كل أمل في أن تكون له أسرة .. كانت الدموع تنهمر من عينيه كشلال لا ينقطع وهو مطأطئ الرأس .. فأحسست وقتها بعدالة السماء فقد أبى الله إلا أن يحرمه من أسرته كما تسبب هو في حرماني من أسرتي ووفاة والدي حسرةً وكمداً علي وعلى سمعة العائلة التي أصابها ما أصابها بسبب هروبي من المنزل بعد أن ورطني شريف في حمل حرام ثم تخلى عني .. وأحسست بالسعادة تغمر صدري وأنا أرى هول المأساة على قسمات وجهه وملأت عيني من منظره وهو ذليل ومنكسر أمامي وتذكرت كل الليالي العصيبة التي أمضيتها في السهر والبكاء بعد خيانته لي وغدره بي وتذكرت كم كنت أرجوه وأتوسل إليه أن يستر عرضي ويداري فضيحتي وأن يتزوجني ليكون أباً شرعياً لذلك الجنين الذي بدأ يتحرك في أحشائي لكنه غدر بي ورماني كما يرمي الوحش الكاسر عظام فريسته بعد أن يتلذذ بأكل لحمها ونهش جسدها وتقطيع أوصالها .. فهل أكافئه الآن على كل ذلك بأن أقدم له ابنه الذي يحلم به هديةً على طبق من ذهب ؟! لا وألف لا !! وبينما كنت أهم بالقيام لمغادرة مكتبه بادرني بالسؤال: هل انجبت الطفل الذي كنت حاملا به ؟؟ فأجبته على الفور : لا لقد مات في احشائي وبعدها اكملت دراستي ثم تزوجت من أستاذ جامعي ورزقني الله منه بطفل جميل .. والآن عن إذنك سأعود إلى أسرتي فقد تأخرت عليهم .. فقال لي : ولكنك أتيت للحديث معي عن موضوع هام فما هو ؟! فقلت له لا وقت الآن عندي للحديث فقد تأخرت كثيراً ويجب أن أعود الآن إلى المنزل .. سكت شريف ولم يتفوه بأي كلمة ثم ودعني وانصرفت .. كنت أظن أن الموضوع قد انتهى عند هذا الحد لكن الشكوك بدأت تساور شريف فأصبح يراقبني حتى رأى منتصر وهو يسير معي أنا وزوجي فعرفه على الفور لأنه كان يشبهه تماماً عندما كان في ذلك السن فقرر أن يواجهني وتقدم نحوي وتفاجأت به وهو واقف أمامي ويرميني بنظرات غاضبة ويقول لي من هذا يا سلمى ؟! إنه ابننا أليس كذلك ؟! تسمرت في مكاني من هول الصدمة وعقدت المفاجأة لساني وقبل أن أنطق بأي كلمة مد شريف يده وسحب منتصر من يدي وضمه إلى صدره وقال هذا ابني الذي أردت أن تحرميني منه .. فحاولت بكل قوتي أن أنتزعه منه وساعدني في ذلك زوجي محمد لكنه كان يمسك به بقوة وتمكن من الإفلات من يدي وجرى بمنتصر إلى سيارته وأدخله فيها وهرب به بعيداً وأنا أصرخ بشدة فجذبني محمد من يدي وركبنا سوياً سيارته وتبعنا سيارة شريف حتى أدركناها .. كان منتصر يصرخ وينظر إلى الخلف ويمد يده إلي لأنقذه من هذا الرجل الغريب الذي اختطفه .. وعندما وصلنا إلى طريق الكورنيش المزدحم اقتحم شريف بسياراته السياج الحديدي وتوجه نحو الشاطئ بسرعة كبيرة ففقد السيطرة على السيارة وانقلبت به عدة مرات ورأيت بعيني منتصر وهو يطير من السيارة في الهواء أثناء تقلبها ثم وقع على رمال البحر مضرجاً بدمائه وكدت أن أفقد وعيي من هول المنظر وعندما وصلنا إليه أسرعت باحتضانه .. كان يلفظ أنفاسه الأخيرة ونظراته مصوبة نحوي وكأنه يلومني على جريمتي أنا وأبوه في حقه .. كانت دماؤه الطاهرة تتقاطر على رمال نفس الشاطى الذي سالت فيه دماء شرفي الذي أهدرته في مكان ليس ببعيد عن هذا المكان قبل ثمان سنوات .. احتضنت جسده الطاهر ودموعي تختلط بدمائه وفقدت قدرتي على النحيب أو الصراخ بينما دموعي تبلل قسمات وجهه البريء بعد أن خرجت روجه الطاهرة إلى بارئها .. وهكذا اختفى ابني من دنيتي وحياتي فقد أبى إبن الخطيئة أن يعيش حياة الذل والهوان مع أبوين آثمين تلطخا بعار الخطيئة وشربا من كأسها المسموم فأحب أن يكون بجوار ربه ليكون لهما شفيعا ...
تمت بعون الله
مع تحيات الكاتبة سحر الصيدلي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

سؤال. والصمت الجواب ... كلمات .. عبدالفتاح غريب

  سؤال. والصمت الجواب من أضناه بعد طول الصبر الحنين ومضى على درب ذكرى ولت بمحراب الوتين دام بحلم باللقاء يناجي نجم طيف بالرجاء حجب عن حناي...