إن الله عندما خلق الإنسان وهبه العقل والفكر ، وهذه المنحة الربانية التي كرَّم الله بها الإنسان عن باقي مخلوقاته وذلك من أجل إعمار الأرض التي إستُخلف فيها من أجل إعمارها وبنائها وقد بدأت البشرية بخلق أبينا آدم وأمنا حواء وأبنائهم قابيل وهابيل ، ثم أتى بعده سيدنا نوح عليه السلام وهو أبو البشرية الثاني وكان له من الأبناء أربعة هم سام وحام ويافث وكنعان أو يام كما كان يطلق عليه العرب ، ولكن هذا الأخير غرِق في الطوفان بعد أن عصى أمر والده ليركب معه في السفينة ، ومن الأبناء الثلاثة إنتشرت ذُريتهم في الأرض ، وانتشرت وتوزعت من نسلهم الأمم ، قال الله تعالى : ( وجعلنا ذُريتهُ هم الباقين ) فكل أُمة من الأمم ترجع إلى واحد من أبناء نوحٍ الثلاثة ، وأرسل الله عزَّ وجلْ الرسُل والأنبياء إلى هذه الأمم لدعوتهم لوحدانية الله وعبوديته ، وتعليمهم مناهج الحياة ومكارم الأخلاق ، وعانى هؤلاء الرسُل والانبياء الأهوال من أجل إيصال رسالتهم وهداية البشرية ، ولولا عزيمتهم وإرادتهم التي بثها الله في انفسهم لبقيت الأمم في غيها وضلالها ، وأكثر الأنبياء والرُسُل تحُملاً للأهوال والمتاعب هم أولو العزم من الأنبياء وهم الذين ذكرهم القرآن الكريم ( نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام ) والذين بقوا صابرين ومثابرين ومدافعين عن رسالاتهم وظلوا متمسكين بمبادئهم ورسالاتهم التي حملوها لأقوامهم وكانت آلامهم وابتلاءاتهم أشد وأكثر ومواقفهم أقوى وأصلب شأنهم شأن باقي الأنبياء لكنهم كانوا أكثر ابتلاءاً وقال الله تعالى ( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرُسُل ) فبتصميم هؤلاء وعزمهم وإرادتهم عمت رسالات الهداية للبشرية والتي كانت خاتمتها رسالة الإسلام إلى العالم أجمع ، فلولا الإرادة والعزيمة والتصميم ما ارتقت الأمم ولا وصلت لما فيه من حضارة
ما أرغب في طرحه في هذا المقال هو طموح الإنسان وعزمه وإرادته ، فالطموح هو الهدف الذي يسعى شخص أو أمة من أجل تحقيقه ، والإرادة هي التصميم على تحقيق هذا الهدف ، أما العزيمة فهي الإصرار على تحقيق الهدف والسعي في كل السُبُل من أجل تحقيقه ، وهذه الأمور الثلاثة هي عبارة عن حلقات مترابطة مع بعضها وكلُّ واحدةٍ مُكملةٍ للأخرى ، فالطموح يدفع لتحقيق الإرادة ، ولا يمكن تحقيق الهدف إلا بالتصميم على التنفيذ الذي باعثه ومحركهُ العزيمة ، فالإرادة تأتي من قوة العزم وكُلُّ ذي عزمٍ مُريد ، وليس كُلُّ مُريدٍّ ذا عزم.
إن الأعمال العظيمة تسبقها رؤية خاصة وهي الطموح والتعمق في الرؤيا للوصول إلى الإرادة ، والإرادة وحدها لا تكفي إذا لم يكن محركها العزيمة ، وعلى الإنسان أن لا يستسلم لليأس وهذا ليس مقصوراً على الفرد ولكن أيضاً على الأمم والمجتمعات ، فلا يعني الفشل نهاية الطريق ، بل يجب أن يكون دافعاً للبحث عن السبل للوصول إلى الهدف ومعرفة أسباب الفشل من البداية لكي نتجنبها في المرحلة الأخرى فلكل جوادٍ كبوة ، وعلى الإنسان أن يأخذ بالأسباب ويتوكل على الله ، وضعيف الإرادة سيظل محبوساً في سجن ذاته غير مستغلٍ لقدراته وإمكاناته ولا يجب أن يضع كلمة المستحيل عقبةً في طريق تحقيق أهدافه ، فالمستحيل في أحلام العاجزين . علينا أن ننظر إلى العظماء من ذوي الاحتياجات الخاصة من فاقدي البصر ، أو المعاقين حركيَّاً كيف أن إعاقاتهم لم تمنعهم من الوصول إلى قمة المجد والعُلو والُرُقي ، لأنهم وضعوا نُصب أعينهم تحقيق أهدافهم وطموحاتهم فلم تكلَّ عزيمتهم ولم تُحبط ، إرادتهم . أن المُعاق هو الإنسان العاجز عن تحفيز عقله لتحقيق أمانيه وطموحاته .
وأن الكثير من الفاشلين في الحياة يعود فشلهم إلى ضعف عزائمهم ، لأن معوقات الحياة كثيرة ، ولهذا فإن رسولنا الكريم قد حرِص على بناء نفوس أمته من جديد لتكون نفوساً قويةً وأبية لا يفُتُّ من عضُدها الألم وتشحنها الإرادة والعزيمة ، وكان يركز الرسول في توجيهه لأصحابه نحو بناء العزيمة في نفوسهم فضعف العزائم من ضعف القلوب ، وبذلك ثبّت قلوبهم على الإيمان وعلى الإرادة الصلبة والعزيمة والثقه بالنفس ، وبهذا تم بناء الدولة الإسلامية وما تبعها من دولٍ إسلامية ، بسطت قوتها بعدالتها وبدينها السمح على مساحات كبيرة في العالم وصلت إلى حدود الصين ، لأنهم كانت أنفسهم مُشبعة بالعزيمة والإرادة ، وأوفوا بعهدهم لله ولرسوله قال تعالى ( الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق ) وهذه الآية للتأكيد على الوفاء بالعهد وعدم نقض العهود
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اللهم أني أسالك الثبات في الأمر والعزيمة على الرُشد )
في هذا الحديث مطلبٌ عظيم ما أحوجنا إليه هذه الأيام لما في هذه الأمة من ضعفٍ ومن خورٍ وهوان ، لأن عزائمنا فاترة وهممنا ضعيفة ، وأن يُثبتنا على ديننا ، لأن ضعف إرادتنا وفتور عزيمتنا أطفأت جذوة طموحنا فأصبحنا مطيةً لأرذل الأمم ، فنيل المجد والوصول إلى الهرم والقمة لا يكون إلا بالإرادة والعزيمة والتصميم لتحقيق طموحاتنا ومبتغانا ، ومن المعلوم أن شجرة الثبات والعزيمة لا تقوم إلا على ساق الصبر .
وكما قال الشاعر :
إذا غامرت في شرف مرومٍ فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في امر حقيرٍ كطعم الموت في أمرٍ عظيم
صخر محمد حسين العزة...
عمان – الأردن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق