السبت، 25 ديسمبر 2021

ما بين الحسد والغيرة >>> مقال .. بقلم .. صخر محمد حسين العزة .... عمان - الأردن

 

ما بين الحسد والغيرة
عجباً لإمرئ لا يرضى بما كتبهُ الله له وما أنعم به عليه ويبقى طامعاً بالمزيد ولا يشكُر الله ، وعجباً لأبناء البشرية الذين لا يؤمنون بالرضى والقناعة وأنه ما هو مُقدَّرٌ لك سيأتيك وتأخُذهُ ولو بعد حين ، عجباً من أُناسٍ ينظرون إلى ما أنعم الله بهِ على غيرهم وينظرون إليهم بنظرة بغضاء وحقدٍ وكراهية وهذا كُلَّهُ من حسدهم وغيرتهم ، وقد تصلُ بهم الدناءة إلى محاربتهم في رزقهم والطعن بهم وتدمير حياتهم طمعاً في دُنيا زائلة
ما أود طرحهُ هو أبشعُ صفة في النفس الإنسانية وهي الحسد والغيرة في بعض أوجهها التي قد تتحول إلى حسد ، فالحسد هو مرضٌ نفسيٌ يصعُب التغلب عليه ، وقد كان أكبر وأبرزُ مثال على الحسد هو حسدُ الشيطان لآدم عليه السلام حيثُ عصى الله عزَّ وجلْ وأبى أن يسجُد لآدم عليه السلام فكان جزاءه جهنم وبئس المصير ، وكذلك لن ننسى قتل قابيل لأخيه هابيل حسداً وغيرة لاختلافهما على زواج أُختيهما والخلاف على أرض الحنطة ، وقد كانت أول جريمةَ قتلٍ في تاريخ البشرية كان دافعها الحسد ، وقال الله تعالى في من ينظر إلى رزق غيره في سورة طه الآية ١٣١ : ( ولا تَمُدَّنَّ عينيك إلى ما متَّعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدُنيا لنفتنهم فيه ورزقُ ربَّكَ خيرٌ وأبقى )
أن أبشع صور الحسد هو تمني زوال نِعمَ الله عن الغير وتمني الفشل لمن يكون ناجحاً ومتفوقاً في حياته ، ومن يتمنى المشاكل والنزاعات بين الأزواج ، وكُلُّ هذا نابعٌ من نفسٍ شِرِّيرة غيرُ قانعةٍ وغيرُ راضيةٍ بما قسمهُ الله لها من نِعم ، ويستكثرُ نِعمَ الله على غيره ، قال تعالى في سورة الفلق : ( قُل أعوذُ بربِّ الفلق ، من شرِّ ما خلق ومن شرِّ غاسقٍ إذا وقب ، ومن شرِّ النفاثات في العُقد ، ومن شرِّ حاسدٍ إذا حسد ) فالمؤمن هنا يستعيذُ ربَّهُ من الحاسدين ، ويستعيذُ من شرِّهم ومن شرِّ الناس ومن شرِّ كُلِّ ظالم
أما بالنسبة للغيرة فلها جانبين ، جانبٌ إيجابي وجانبٌ سلبي ، فالغيرة إذا تجاوزت الحدود المعقولة وهي التي تصلُ فيها الأمور إلى الحقد وإيذاء مشاعر الآخرين ورغبتهم في كيف حصول إنسانٍ ما على المال أو الخيرات ، أو كيف وصل إلى مركزٍ رفيع وهو لم يصل إلى كل ذلك فهذا يُصبح حسداً ،وعن الفارق بين الحسد والغيرة فتقول أستاذة علم النفس إيريكا سلوتر : ( الحسد هو أريد ما تملك ، أما الغيرة فهي أملك شيئاً أعتقد أنك تريده وأعتقد أنك تسعى للحصول عليه
وللغيرة درجات ، وأعلى درجاتها وأجملها الغيرة على الدين ونصرة نبيِّك ودينك والوقوف بوجه كل من يحاول المساس برسولنا وبهذا الدين العظيم والغيرة على الأوطان ، وغيرتك على وطنك بحبك له وعدم الإنجرار وراء أي إدعاءات كاذبة ومُعادية له ، وقد اقترن حُب الوطن والأرض بحُب النفس وقد قال تعالى في ذلك : ( ولو أنْ كتبنا عليهم أنْ اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليلٌ منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشدُّ تثبيتاً ) والغيرة على الأوطان بالتمني لها بدوام الأمن والأمان والسلام وأن يكون الوطن في مقدمة أوطان العالم بالتقدم والإزدهار وتقديم الغالي والنفيس من أجله
ومن أنواع الغيرة الجميلة هي الغيرة في مجال العمل بالتنافس الشريف والذي يُفضي الى النجاح والرُقي بدون الطعن في الطرف الآخر من منافسيه ، وأيضا هناك غيرة الحبيب على حبيبه ، فالغيرة دليل الحب وهما شعوران متلازمان والمهم ألا تُصبح كحالة مرضية وأهم ما فيها الثقة وهي صمام الأمان لنجاح الحُب واستمراريته ، وإذا اقترنت بالشك تُصبح الغيرة دماراً للحب ، ومن أنواع الغيرة تلك التي تكون بين الأصدقاء مع بعضهم وبمحاولة كسب ودِّ واحدٍ على حساب الأصدقاء الآخرين ، وأيضاً الغيرة بين الإخوة في الأسرة الواحدة ومحاولة كسب اهتمام الوالدين والتنافس في ذلك
إن الغيرة البعيدة عن الشك والمبنية على الثقة بين الأحبة والمبنية على التنافس الشريف بين الأصدقاء هي حالة صحية وإذا تجاوزت ذلك لتصبح حالة من حالات الحسد فيكون فيها الدمار ، فعلينا أن نتجاوز الحسد فالحسد هو قاتل صاحبه ودائما الحسود يكون مهموماً مغموماً لأن كل تفكيره كيف يصل إلى مُبتغاه بغضِّ النظر عن الطريق التي قد تصل إلى دمار منافسه دون مراعاة لمخافة الله ، وقد يكون حسده وبالاً عليه وهلاكهِ بشرِّ أعماله وخير مثالٍ على ذلك قصةُ الخليفة المُعتصم بالله مع وزيره والبدوي الذي قرَّبه المعتصم منه لفصاحته وبلاغته في الشعر وأصبح نديماً له ، وهذا جعل الوزير يتفطَّرُ حُنقاً وحسداً ، ودبَّر مكيدةً للبدوي بإن عزمه على الطعام وأكثر من الثوم في طعامه ، وعندما أراد البدوي الخروج من البيت نصحه الوزير أن لا يذهب إلى الخليفة ورائحة فمه ثومٌ فيتأذى من ذلك ، وخرج بعدها الوزير إلى الخليفة ، وقال له أن البدوي يقول للناس عنك أنك أبخر أي رائحة فمه كريهة ، فاستشاط الخليفة غضباّ ، ودخل بعد ذلك البدوي وهو يُغطي أنفه بيديه ، فأكد ذلك قول الوزير ، فأعطاه الخليفة كتاباً لُيرسله إلى أحد الولاة في البلاد ، وكان نص الرسالة التي فيه : إذا وصلك كتابي هذا فاقطع رأس حامله فوراً ، فأخذ البدوي الكتاب دون أن يدري ما فيه ، فالتقى به الوزير خارجاً ، فسأله إلى أين ذاهب فأخبره أنه يحملُ رسالة من الخليفة سينقلها إلى أحد ولاته ، فاعتقد الوزير قد يكون في هذا الكتاب أُعطية ، فدخل الطمع في قلبه ، وقال له : أنا سأنقل الرسالة عنك وأعطاه مقابل ذلك مبلغاً تكريماً له ، بعد فترة سأل الخليفة عن الوزير فأخبروه أنه خرج في مهمة ولم يعُد ، وسأل عن البدوي فأخبروه أنه موجود ، فاستدعاه ، وسأله عن الوزير ، فأخبره أنه هو طلب نقل الرسالة إلى الوالي ، فأدرك المعتصم أن طمع وحسد وزيره قد قتلهُ ، فقال قولته المشهورة : ( لله درُّ الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله ) فلا تجعل غيرتك العمياء وحسدك تقتلانك ، وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقي :
وأرح جنبكَ من داء الحسد فكم حسودٍ قد توفاهُ الكمد
وخلاصة ما أقول للتخلص من الغيرة عززها بالثقة وعدم الشك بمن تُحب وعلى الآباء أن لا يُفرِّقوا بين أبنائهم ، وللتخلص من الحسد والغيرة علينا التحلّي بتعميق الإيمان بقدرِ الله وبالعدالة والأخوة بين الجميع
صخر محمد حسين العزة
عمان - الأردن بيسيات عن الحسد والغيره - موسوعة إقرأ | بيسيات عن الحسد والغيره و كومنتات  وصور عن الحسد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

سؤال. والصمت الجواب ... كلمات .. عبدالفتاح غريب

  سؤال. والصمت الجواب من أضناه بعد طول الصبر الحنين ومضى على درب ذكرى ولت بمحراب الوتين دام بحلم باللقاء يناجي نجم طيف بالرجاء حجب عن حناي...