الأربعاء، 18 نوفمبر 2020

قصة من الذاكرة..جرجس لفلوف سورية

 قصة من الذاكرة..

لم يكن في قريتي مدرسة قي منتصف القرن الماضي بل كنا نتعلم في قرية مجاورة لقريتنا نذهب إليها سيرا على الأقدام وكان بين المعلمين استاذ يختار كل يوم طالب من الطلاب الغرباء ويرسله إلى بيته ليقوم بتقديم الخدمات المنزلية ويطلب من طالب آخر أن يجلب معه سطلا من الحليب أو اللبن فنحن أبناء فلاحين وهو ابن عائلة واجبنا تقديم الخدمات لأبناء العائلات( لم يكن كل المعلمين مثل هذا المعلم) سألت معلما شابا هل يجوز هذا.?أجاب مستنكرا هذا الفعل ولا يستطيع أن يفعل شيئا لأن مدير المدرسة صديقه ويغطي عليه ولكنه لم يستمر طويلا حيث أحيل على التقاعد
تم بناء مدرسة في قريتي على نفقة الأهالي وسلمت لمديرية التربية التي عينت معلما وحيدا يعلم خمسة صفوف في كل صف خمس إلى سبع طلاب .
كان هذا المعلم من جيل المعلمين الكبار الذين يحملون الشهادة الابتدائية ومن قرية مجاورة لقريتنا وكنت انا قد حصلت على هذه الشهادة وكان يطلب مني مساعدته في تعليم الطلاب أوقات فراغي وفي الأيام التي كنت أعود بها من مدرستي مبكرا
لاحظت أن هذا المعلم يطلب من الطلاب أن يجلب كل واحد معه من بيته بيضة أو أبريق حليب او لبن أو قريشة وقطعة خشب ( قرمة حطب) للتدفئة وفي كل يوم يرسل هذه الأرزاق
مع طالب او اثنين إلى بيته أزعجتني هذه الصورة سألت صديقي المعلم الشاب قال؛ اشتكي عليه للتربية قلت: كيف? قال: ارسل كتاب شكوى بالبريد. كتبت الشكوى بمساعدة هذا المعلم وارسلناها بالبريد إلى مدير التربية في حمص وبعد مدة ارسلت برقية ومضى أكثر من شهر ولم تتم الاستجابة للشكوى ناقشت الأمر مع مختار الضيعة وكبار الرجال فيها قالوا: ( شو بدك منه بيضرك لا تعلق فيه وبعدين الخير كتير) سألت المعلم الشاب قال قوم مع الطلاب بمظاهرة في الضيعة وهكذا كان أخذت الطلاب وسرنا في زقاقات الضيعة نصيح ارحل يا..( لا أريد أن أذكر اسمه لأن القصة ليست للتشهير بل لنقل صورة من ذلك الزمن) .اتصل برئيس المخفر. جاء. هربنا.تناولوا الغداء عند المختار وانهوا القصة على الغداء لأن المعلم لا يريد أن يتطور الموضوع ورضي رئيس المخفر بذلك. وطلبوا مني السكوت وعدم التعرض للمعلم مرة أخرى وهكذا كان وبعد اسبوعين حضر إلى المدرسة مفتشين من التربية وكانت المفاجاة للمعلم الذي أنكر كل شئ واحضر مختار وكبار أهل الضيعة الذين آثنوا على المعلم واشادوا بجهوده فغضب المفتشان وطلبا أحضاري بين أيديهما. لم يرغب المعلم حضوري ولكنهما اصرا فأرسل المختار الطلاب للبحث عني وكانوا يعرفون أين أنا .أخبروني. حضرت. نظر المفتشان الي طالبين تقديم أدلة عن كل ما ورد في الشكوى والا ساتحمل مسؤؤلية اتهامات كاذبة موجهة إلى معلم محترم. طلبت منهما أن يفتحا الغرفة الثانية وينظرا داخلها. فعلا فشاهدا سطلين لبن وسطل حليب ونصف سلة بيض وشوال حطب لم يتمكن المعلم من ترحيلهم لأن المفتشان وصلا مبكرين إلى المدرسة.. كانت المفاجأة كبيرة وبعدئذ قلت لهما: انا اعرف ان الطلاب الفقراء معفيون من رسم التعاون وكذلك توزع الكتب عليهم مجانا فهل هناك طالب اعفي من رسم التعاون أو أخذ كتابا مجانيا.? سالا الطلاب وفتشا السجلات فوجدا أن المعلم قد اختلس ثمن الكتب ورسم التعاون لعشرة طلاب كانوا مسجلين فقراء على السجل وفي الايصالات فقط ولما توصلا إلى هذه النتيجة تغيرت نظرتهما للأمر وغضب المعلم وبدأ يشتمني ويتهمني اتهامات سياسية وارتكاب أفعال تخريبية ولكن أحد المفتشين طلب منه السكوت قائلا:( اسكت استاذ..وقدر للمعلم أن يكون رسولا ) وربت على كتفي وتناول حقيبته مع زميله وغادرا المدرسة .وبعد يومين نقل المعلم وجاء بدلا عنه معلما شابا يحمل الشهادة الثانوية وبقي الموضوع حكاية من زمن الحكايات التي تحكي عن الفساد الموجود في كل زمان ومكان وعن الفاسدين الذين يعيثون في الأرض إذا لم يوجد من يقف في وجههم وقوانين تردعهم ...حماكم وحما نا الله من هذا المرض ومن نتائجه
جرجس لفلوف سورية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

سؤال. والصمت الجواب ... كلمات .. عبدالفتاح غريب

  سؤال. والصمت الجواب من أضناه بعد طول الصبر الحنين ومضى على درب ذكرى ولت بمحراب الوتين دام بحلم باللقاء يناجي نجم طيف بالرجاء حجب عن حناي...