نبض الحروف
أحبابي وأصدقائي ...
النص أصبح مِن الخطورة بمكان ... ليس على بطل أو أبطال النص فحسب ... وإنما يتعدى محتواه إلى أبعد من ذلك ... قد يتكرّر أكثر مِن مرّة مع غير شخوص النص ... لا سيما في عالمنا الغريب المليء بالمفارقات والمصادفات ، وإن حدث وتصادف أو تصادفت أحداث مِن النص مع متلقي ما ... فنحن لا نقصده هو بالذات ... تحياتي ...
النص أصبح مِن الخطورة بمكان ... ليس على بطل أو أبطال النص فحسب ... وإنما يتعدى محتواه إلى أبعد من ذلك ... قد يتكرّر أكثر مِن مرّة مع غير شخوص النص ... لا سيما في عالمنا الغريب المليء بالمفارقات والمصادفات ، وإن حدث وتصادف أو تصادفت أحداث مِن النص مع متلقي ما ... فنحن لا نقصده هو بالذات ... تحياتي ...
===============
(( الطبيب )) ؟؟!!
===============
* النص *
__________________
تنخّم " إدريس " على الأرض وهو يزلق مِن عتبة داره بخطوة لا إرادية إلى الوراء ، وحزمة مفاتيحه تصلصل بقفل الباب الذي لم ينهِ غلقه بعد ... ولمّا أراد الصعود إليها ليُضيف الضربة الثانية والأخيرة ويَطمئِن ويكفَّ الباب عن الطقطقة الناتجة مِن اعوجاج في إطاره ؛ سمح بتسلل تيّارات الهواء ، إمّا بسبب صنعة الحدّاد ، وإما بسبب صنعة البنّاء ، لاح له " حسام " عند رأس الشارع آتٍ ، لم تكن بينهما أية علاقة ولا صداقة ... كانا جارين ؛ جارين متباعدين كبعد الأرض عن السماء ، تعدّى تجاورهما الأربعين عن اليمين وعن الشمال ، أبواهما يعرفان بعضهما جيدًا ، أمّا هما فكانا لا يلمسان بعضهما إلا في العيدين ، أو إذا تقدّر وعُزما على طعام واحد في مكان واحد ... مهلًا .. جارُ القرية ليس كجارِ المدينة ؛ جارَ الزمن وأصبحا شبيهين في كل شيء ، واختلطت الطباع الحسنة بالسيئة ، والسيئة بالحسنة ؛ فاكتسب المتمدّن صفات وميزات قَرَويّة باستطاعته إظهارها لدى قومها وإنكارها لدى قومه ، كما اكتسب القَرَوي صفات وميزات مدنية باستطاعته إظهارها لدى قومها وإنكارها لدى قومه كذلك ...
تهيأ " حسام " لإلقاء السلام عندما أوشك أن يمر مِن وراء ظهر السيد وهو يؤكد غلق بابه ... ولكن الرجل كان قد اجتر مِن النخام ما يطفئ به نور شمعة ، ولَفَظَه على الأرض وسط الشارع ...
_ خن ... ثف ... خن ... ثف ؟؟!!
واستمر يجذب ويجذب لعلّ جزءًا مِن مُخّه يسقط في قَصَبته فيصعد مع النخام ، لم يتمالك " حسام " نفسه مِن فوضى الرجل ، فتوقّف منه مترين ؛ حتى يتخلّص ممّا بقي في جعبته ولكي لا يرشّه بشيء مِن زُبدته الطريّة ...
شعر " إدريس " أن الذي كان قادمًا لم يمر مِن خلفه عندما عدّ خطواته الباقية ؛ فبقيّ ماسكًا فمه ريثما يمر ... ولكن الأمر طال ؛ فتلفّت إلى الجهة التي انقطع منها وقع الأقدام على يساره ، فوجده كالوتد بملابسه الأنيقة وحذائه اللامع السواد ... وبدل أن يُحيّيه كما كان ناويًا ، باغته قائلًا :
_ لا تتنخم في وجهي مرّة أخرى ... ليست أمك التي تكسيني ...؟؟!!
بلع " إدريس " ما كان في فيه ارتباكًا لا خوفًا ، ثم أرسل النظر إلى رأس الشارع ، فلعلّ الذي كان قادمًا ليس هو الذي واقفًا ، ثم أخفض النظر إلى البقعة القذرة ، وطأطأ رأسه حياءً ، لأنه استدرك مرور السيد متأخرًا ، وأن ما به مِن ضيق صدر بلغم ملازم ، وأن انشغاله بغلق الباب هموم أغفلته عن تحرك السيد ... لم ينبس ببنت شفة ومضى كلٌ إلى غايته ...
مرّت سنة ... ذات ليلة جمعة كان " حسام " يتفقّد مرضاه ، شعر بنظرة تكاد تلتهمه فسار نحو مصدر مغناطيسها ليُريح صاحبها ويرتاح هو مِنها ... قرأ الملف المعلّق على حاشية السرير ... لم يهتدِ إلى الاسم ... هو جديد في قوائم المرضى ولكنه قديم في ذاكرته ... حدّق فيه ... فوجد خيالًا له بين الصور المحفوظة لديه ... وأن حدثًا ما وقع مع هذا الطريح ... وقع في حلم ... في يقظة ...في مكان ما ...
وضع سمّاعته على قفص صدره ليجس نبضات قلبه ، وقد بدأت أعينهما في استرجاع طيف الشارع الذي التقيا فيه يومذاك ، ووقع التهكم مِن طرف واكتفىالطرف الآخر بالتبكم ؛ حتى كادت الصورة أن تحضر بين الواقف والمستلقي أو أنها حضرت فعلًا ورآها الجان ... لحظتئذٍ قال " إدريس " :
_ اسمح لي دكتور لم أكن أنوي إيذاءك ذاك العام ولكنّي مريض ... مريض ...!!
وضع الدكتور يدَه على يدِه لكي يُفهمه أنه فَهِم ولكي يريحه مِن عيّ الكلام ولمعت دمعة في عينيه حاول إخفاءها ولأن " إدريس" كان في مرحلة متقدّمة من المرض ؛ خرج الدكتور لحديقة المستشفى ... ليتأمل القمر ... وليجهش بالبكاء ... ؟؟!!
______________________________
بقلم : عبد الغني صدوق
(( الطبيب )) ؟؟!!
===============
* النص *
__________________
تنخّم " إدريس " على الأرض وهو يزلق مِن عتبة داره بخطوة لا إرادية إلى الوراء ، وحزمة مفاتيحه تصلصل بقفل الباب الذي لم ينهِ غلقه بعد ... ولمّا أراد الصعود إليها ليُضيف الضربة الثانية والأخيرة ويَطمئِن ويكفَّ الباب عن الطقطقة الناتجة مِن اعوجاج في إطاره ؛ سمح بتسلل تيّارات الهواء ، إمّا بسبب صنعة الحدّاد ، وإما بسبب صنعة البنّاء ، لاح له " حسام " عند رأس الشارع آتٍ ، لم تكن بينهما أية علاقة ولا صداقة ... كانا جارين ؛ جارين متباعدين كبعد الأرض عن السماء ، تعدّى تجاورهما الأربعين عن اليمين وعن الشمال ، أبواهما يعرفان بعضهما جيدًا ، أمّا هما فكانا لا يلمسان بعضهما إلا في العيدين ، أو إذا تقدّر وعُزما على طعام واحد في مكان واحد ... مهلًا .. جارُ القرية ليس كجارِ المدينة ؛ جارَ الزمن وأصبحا شبيهين في كل شيء ، واختلطت الطباع الحسنة بالسيئة ، والسيئة بالحسنة ؛ فاكتسب المتمدّن صفات وميزات قَرَويّة باستطاعته إظهارها لدى قومها وإنكارها لدى قومه ، كما اكتسب القَرَوي صفات وميزات مدنية باستطاعته إظهارها لدى قومها وإنكارها لدى قومه كذلك ...
تهيأ " حسام " لإلقاء السلام عندما أوشك أن يمر مِن وراء ظهر السيد وهو يؤكد غلق بابه ... ولكن الرجل كان قد اجتر مِن النخام ما يطفئ به نور شمعة ، ولَفَظَه على الأرض وسط الشارع ...
_ خن ... ثف ... خن ... ثف ؟؟!!
واستمر يجذب ويجذب لعلّ جزءًا مِن مُخّه يسقط في قَصَبته فيصعد مع النخام ، لم يتمالك " حسام " نفسه مِن فوضى الرجل ، فتوقّف منه مترين ؛ حتى يتخلّص ممّا بقي في جعبته ولكي لا يرشّه بشيء مِن زُبدته الطريّة ...
شعر " إدريس " أن الذي كان قادمًا لم يمر مِن خلفه عندما عدّ خطواته الباقية ؛ فبقيّ ماسكًا فمه ريثما يمر ... ولكن الأمر طال ؛ فتلفّت إلى الجهة التي انقطع منها وقع الأقدام على يساره ، فوجده كالوتد بملابسه الأنيقة وحذائه اللامع السواد ... وبدل أن يُحيّيه كما كان ناويًا ، باغته قائلًا :
_ لا تتنخم في وجهي مرّة أخرى ... ليست أمك التي تكسيني ...؟؟!!
بلع " إدريس " ما كان في فيه ارتباكًا لا خوفًا ، ثم أرسل النظر إلى رأس الشارع ، فلعلّ الذي كان قادمًا ليس هو الذي واقفًا ، ثم أخفض النظر إلى البقعة القذرة ، وطأطأ رأسه حياءً ، لأنه استدرك مرور السيد متأخرًا ، وأن ما به مِن ضيق صدر بلغم ملازم ، وأن انشغاله بغلق الباب هموم أغفلته عن تحرك السيد ... لم ينبس ببنت شفة ومضى كلٌ إلى غايته ...
مرّت سنة ... ذات ليلة جمعة كان " حسام " يتفقّد مرضاه ، شعر بنظرة تكاد تلتهمه فسار نحو مصدر مغناطيسها ليُريح صاحبها ويرتاح هو مِنها ... قرأ الملف المعلّق على حاشية السرير ... لم يهتدِ إلى الاسم ... هو جديد في قوائم المرضى ولكنه قديم في ذاكرته ... حدّق فيه ... فوجد خيالًا له بين الصور المحفوظة لديه ... وأن حدثًا ما وقع مع هذا الطريح ... وقع في حلم ... في يقظة ...في مكان ما ...
وضع سمّاعته على قفص صدره ليجس نبضات قلبه ، وقد بدأت أعينهما في استرجاع طيف الشارع الذي التقيا فيه يومذاك ، ووقع التهكم مِن طرف واكتفىالطرف الآخر بالتبكم ؛ حتى كادت الصورة أن تحضر بين الواقف والمستلقي أو أنها حضرت فعلًا ورآها الجان ... لحظتئذٍ قال " إدريس " :
_ اسمح لي دكتور لم أكن أنوي إيذاءك ذاك العام ولكنّي مريض ... مريض ...!!
وضع الدكتور يدَه على يدِه لكي يُفهمه أنه فَهِم ولكي يريحه مِن عيّ الكلام ولمعت دمعة في عينيه حاول إخفاءها ولأن " إدريس" كان في مرحلة متقدّمة من المرض ؛ خرج الدكتور لحديقة المستشفى ... ليتأمل القمر ... وليجهش بالبكاء ... ؟؟!!
______________________________
بقلم : عبد الغني صدوق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق