السبت، 21 يوليو 2018

/ أين أنت ياأمي ؟ / بقلم الأديب الاستاذ .. مصطفى دهور. أستاذ اللغة الفرنسية. الدار البيضاء.

* إخواني القراء الأعزاء سلام الله عليكم.
( في الاسبوع الماضي شاركت بهذه القصة في مسابقة
نظمتها مجموعة " رابطة الكتاب العرب على الفيسبوك
للقصة القصيرة " ونلت شهادة تقديرية نظير مشاركتي
في سجال القصة القصيرة )

أتمنى ان تنال رضاكم انتم كذلك وتلقى تشجيعاتكم.
/ أين أنت ياأمي ؟ /
- أحمد ، اسمعني جيدا من فضلك ! أعرف أنك ستلتمس ، ككل مرة الأعذار لأمك وتقول بأنها امرأة مسنة ، وليس لها غيرك ، ولا يمكن أن تتخلى عنها ، إلى آخر ماهنالك ؛ لكن دعني أقول لك أنا ماهو أهم ، ولن أعيد ماأقول : ياأنا ، ياأمك في هذا البيت !
- ولم كل هذا ؟!
- لم ؟ وكأنك لاتعلم شيئا ! إنها تنغص علي حياتي ، وتكدر عيشي ؛ إنها تحشر أنفها في كل شيء ، وهذا يسبب لي إزعاجا كبيرا !
- غير صحيح ماتقولينه ، وكلانا يعرف هذا ؛ لكن ماذا تريدين مني أن أفعل ، أطردها من البيت ؟ لو كان بإمكاني ، لما تركتها لحظة واحدة معك !
مسكينة أمي ! زوجة أخي الأكبر لم تردها معهم بحجة أن منزلهم ضيق ، ولا يوجد مكان لتنام فيه ! أختي عادت ، بعد بومين قضتهم عندنا إلى المدينة التي كانت تقطن بها ، دون أن تعير الموضوع أي اهتمام ، وهي التي كنت أ عقد عليها كل الآمال لتأخذها كي تعيش معها وتخلصها من كره زوجتي وزوجة أخي لها . ياإلاهي ، ماالعمل ؟ هاهي زوجتي تأخذ الكلمة من جديد .
- عندي فكرة . . لم لاتأخذها لكي تعيش في دار العجزة ؟
- ماذا ؟ أجننت ياامرأة ؟ أمي في دار العجزة ، وأنا على قيد الحياة !
- والله هو حل يرضي الجميع ، ولست أظن أنها ستمانع !
كانت أمي تبكي في صمت وهي تسمع حوارنا ، وكان هذا يؤلمني ويملأ قلبي حزنا . آه لو لم يكن لي أبناء من هذه المرأة ، أقسم أنني لن أتردد لحظة في تطليقها !
غيرت ملابسي بسرعة وخرجت دون أن أتناول فطوري ؛ كانت الساعة تشير إلى السابعة والنصف صباحا ، وكان يجب أن أسرع لألحق عملي قبل الثامنة .
عدت إلى المنزل وقت الغذاء ، وأنا أكاد أطير من الفرح ! جئت ومعي الحل لمشكل أمي ! لي صديق في العمل يملك شقة صغيرة فارغة ، مخصصة للكراء ، وبثمن مناسب جدا . اتفقنا على كل شيء ، و في الغد ستنتقل لها أمي ، بعدما أكون قد جهزتها لها بأفخر الأثات ! لقد أخذت يومين إجازة من العمل من أجل هذا ؛ أضف إلى ذلك أنني سأبحث عن امرأة من أجل أن تطبخ وتنظف وتكنس ، وترعى جميع مصالح أمي .
ماإن دخلت حتى أخبرتني زوجتي بأن أمي قد خرجت في الصباح من المنزل ولم تعد .
- ماذا ؟ خرجت ولم تعد ؟
- نعم ، خرجت وقد أخذت معها حقيبتها ، وفيها بعض ملابسها .
- الله أكبر ! معناه أنها تركت البيت حيث لا رجعة !
- لست أدري ، المهم هذا ماوقع .
خرجت كاالأحمق أبحث عن أمي . كان الجو ممطرا ، وكان برد فبراير يعد ألا يصادف أحدا في الشارع إلا وأقرس أصابعه وجعل كل مفاصله ترتعش.
أمضيت اليوم كله وأنا أبحث عنها فلم أجدها ؛ كثفت البحث خلال كل أيام الأسبوع ، لا وجود لها . أين أنت ياأمي ؟ أين أنت ياأعز الناس ؟ يامن جعل الله الجنة تحت قدميك ؟ لست في أي مستشفى من مستشفيات المدينة ، ولا تعلم عليك مخافر الشرطة شيئا ، ولست بين الموتى في معرض الجثت ، ولم يضمك قبر في مقبرة ؛ فأين أنت ؟!
مرت سنتان . اختفت أمي تماما ، واختفى معها كل شيء : حبها ، حنانها ، طيبتها ، دعواتها . .
لقد أدمى الفراق قلبي ، وأصبح الحزن قبلتي وملاذي. أشار علي مرة أحد أصدقائي بتغيير الجو ، ومحاولة نسيان ماحدث ، لأني أصبحت حسب رأيه قاب قوسين أو أدنى من أن أصاب باكتئاب نفسي من جراء معاناتي من الحزن والمشاعر السلبية . كان صادقا في قوله ، فأنا أشعر فعلا بالحزن والقلق والذنب والرغبة في البكاء ، أضف إلى ذلك أني أصبحت أحس أن وجودي ليس له معنى .
أخذت ابنتي ذات العشر سنوات صبيحة أحد الأيام ، وكان يوم أحد ، ثم ذهبنا إلى حديقة الألعاب المخصصة للأطفال . بدأت أشعر بنوع من السرور وأنا أرى ابنتي تلعب وتمرح ؛ وفي لحظة ، سمعتها تناديني بأعلى صوتها ، وكأنها تستغييث " أبي ! أبي ! " أسرعت في مشيتي ، ولما وصلت إلى المكان الذي توجد فيه ، وجدتها تبكي ، وقد أمسكت بجلباب امرأة مسنة وتقول " جدتي " ؛ وكان طفل آخر يقول لها " ماالذي أصابك ، هذه جدتي أنا ! "
ماذا يجري ، ياترى ؟ جاء حينها رجل تظهر عليه علامات التقوى وقال ، وهو يخاطب المرأة " أمي ، ماذا هناك ؟ " ، فقالت له ابنتي " عفوا سيدي ، هذه ليست أمك ، إنها جدتي !
- ماذا ، جدتك ؟
- نعم ! "
كانت المرأة تجلس على مقعد عمومي من الخشب . اقتربت قليلا منها وأمعنت النظر. ياإلاهي ، إنها أمي ! لم أتمالك نفسي فصحت بأعلى صوتي " أمي ! " أجهشت هي بالبكاء ، وهي تقول " ابني ! ابني أحمد ! "
ارتميت في حظنها ، وقد اجتمع حولنا حشد هائل من الناس وأخذت أقبل رأسها ويديها ووجنتيها ، ثم بعد ذلك رجليها ، فسمعت أحدهم يقول " الله أكبر ! وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ." كانت نساء عدة تدرفن الدموع، وهن تغادرن المكان في هدوء .
قدم لي ذلك الشخص نفسه ، ثم دعاني وابنتي للغذاء عنده في منزله . كان إنسانا طيبا جدا ، يحب فعل الخير ومساعدة كل من هو في حاجة إلى مساعدته ؛ فهو الذي أخذ أمي في سيارته إلى منزله ، بعدما وجدها ، قبل سنتين في أحد الشوارع والمطر يهطل عليها بشدة ، وعلم منها ما صار من زوجتي في حقها . لقد أحبها ، وأحبتها زوجته ، وأصبح يناديها بأمي وهي تناديه بابنها .
اقترب منها وقال لها ، وهو يقبل يديها :
- هيا بنا ياحاجة !
- ماذا قلت ، حاجة ؟
- نعم ! لقد أخذتها معي في السنة الماضية إلى مكة ، خلال موسم الحج !
أمعنت النظر إليه ، ثم قلت :
- والله لقد أحببتك ، وأعتبرك منذ الآن بمثابة أخ لي !
قال ، وهو يبتسم :
وهذه أمنا !

مصطفى دهور. أستاذ اللغة الفرنسية.
الدار البيضاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

سؤال. والصمت الجواب ... كلمات .. عبدالفتاح غريب

  سؤال. والصمت الجواب من أضناه بعد طول الصبر الحنين ومضى على درب ذكرى ولت بمحراب الوتين دام بحلم باللقاء يناجي نجم طيف بالرجاء حجب عن حناي...