* إخواني القراء الأعزاء سلام الله عليكم.
( في الاسبوع الماضي شاركت بهذه القصة في مسابقة
نظمتها مجموعة " رابطة الكتاب العرب على الفيسبوك
للقصة القصيرة " ونلت شهادة تقديرية نظير مشاركتي
في سجال القصة القصيرة )
أتمنى ان تنال رضاكم انتم كذلك وتلقى تشجيعاتكم.
/ أين أنت ياأمي ؟ /
- أحمد ، اسمعني جيدا من فضلك ! أعرف أنك ستلتمس ، ككل مرة الأعذار لأمك وتقول بأنها امرأة مسنة ، وليس لها غيرك ، ولا يمكن أن تتخلى عنها ، إلى آخر ماهنالك ؛ لكن دعني أقول لك أنا ماهو أهم ، ولن أعيد ماأقول : ياأنا ، ياأمك في هذا البيت !
- ولم كل هذا ؟!
- لم ؟ وكأنك لاتعلم شيئا ! إنها تنغص علي حياتي ، وتكدر عيشي ؛ إنها تحشر أنفها في كل شيء ، وهذا يسبب لي إزعاجا كبيرا !
- غير صحيح ماتقولينه ، وكلانا يعرف هذا ؛ لكن ماذا تريدين مني أن أفعل ، أطردها من البيت ؟ لو كان بإمكاني ، لما تركتها لحظة واحدة معك !
مسكينة أمي ! زوجة أخي الأكبر لم تردها معهم بحجة أن منزلهم ضيق ، ولا يوجد مكان لتنام فيه ! أختي عادت ، بعد بومين قضتهم عندنا إلى المدينة التي كانت تقطن بها ، دون أن تعير الموضوع أي اهتمام ، وهي التي كنت أ عقد عليها كل الآمال لتأخذها كي تعيش معها وتخلصها من كره زوجتي وزوجة أخي لها . ياإلاهي ، ماالعمل ؟ هاهي زوجتي تأخذ الكلمة من جديد .
- عندي فكرة . . لم لاتأخذها لكي تعيش في دار العجزة ؟
- ماذا ؟ أجننت ياامرأة ؟ أمي في دار العجزة ، وأنا على قيد الحياة !
- والله هو حل يرضي الجميع ، ولست أظن أنها ستمانع !
كانت أمي تبكي في صمت وهي تسمع حوارنا ، وكان هذا يؤلمني ويملأ قلبي حزنا . آه لو لم يكن لي أبناء من هذه المرأة ، أقسم أنني لن أتردد لحظة في تطليقها !
غيرت ملابسي بسرعة وخرجت دون أن أتناول فطوري ؛ كانت الساعة تشير إلى السابعة والنصف صباحا ، وكان يجب أن أسرع لألحق عملي قبل الثامنة .
عدت إلى المنزل وقت الغذاء ، وأنا أكاد أطير من الفرح ! جئت ومعي الحل لمشكل أمي ! لي صديق في العمل يملك شقة صغيرة فارغة ، مخصصة للكراء ، وبثمن مناسب جدا . اتفقنا على كل شيء ، و في الغد ستنتقل لها أمي ، بعدما أكون قد جهزتها لها بأفخر الأثات ! لقد أخذت يومين إجازة من العمل من أجل هذا ؛ أضف إلى ذلك أنني سأبحث عن امرأة من أجل أن تطبخ وتنظف وتكنس ، وترعى جميع مصالح أمي .
ماإن دخلت حتى أخبرتني زوجتي بأن أمي قد خرجت في الصباح من المنزل ولم تعد .
- ماذا ؟ خرجت ولم تعد ؟
- نعم ، خرجت وقد أخذت معها حقيبتها ، وفيها بعض ملابسها .
- الله أكبر ! معناه أنها تركت البيت حيث لا رجعة !
- لست أدري ، المهم هذا ماوقع .
خرجت كاالأحمق أبحث عن أمي . كان الجو ممطرا ، وكان برد فبراير يعد ألا يصادف أحدا في الشارع إلا وأقرس أصابعه وجعل كل مفاصله ترتعش.
أمضيت اليوم كله وأنا أبحث عنها فلم أجدها ؛ كثفت البحث خلال كل أيام الأسبوع ، لا وجود لها . أين أنت ياأمي ؟ أين أنت ياأعز الناس ؟ يامن جعل الله الجنة تحت قدميك ؟ لست في أي مستشفى من مستشفيات المدينة ، ولا تعلم عليك مخافر الشرطة شيئا ، ولست بين الموتى في معرض الجثت ، ولم يضمك قبر في مقبرة ؛ فأين أنت ؟!
مرت سنتان . اختفت أمي تماما ، واختفى معها كل شيء : حبها ، حنانها ، طيبتها ، دعواتها . .
لقد أدمى الفراق قلبي ، وأصبح الحزن قبلتي وملاذي. أشار علي مرة أحد أصدقائي بتغيير الجو ، ومحاولة نسيان ماحدث ، لأني أصبحت حسب رأيه قاب قوسين أو أدنى من أن أصاب باكتئاب نفسي من جراء معاناتي من الحزن والمشاعر السلبية . كان صادقا في قوله ، فأنا أشعر فعلا بالحزن والقلق والذنب والرغبة في البكاء ، أضف إلى ذلك أني أصبحت أحس أن وجودي ليس له معنى .
أخذت ابنتي ذات العشر سنوات صبيحة أحد الأيام ، وكان يوم أحد ، ثم ذهبنا إلى حديقة الألعاب المخصصة للأطفال . بدأت أشعر بنوع من السرور وأنا أرى ابنتي تلعب وتمرح ؛ وفي لحظة ، سمعتها تناديني بأعلى صوتها ، وكأنها تستغييث " أبي ! أبي ! " أسرعت في مشيتي ، ولما وصلت إلى المكان الذي توجد فيه ، وجدتها تبكي ، وقد أمسكت بجلباب امرأة مسنة وتقول " جدتي " ؛ وكان طفل آخر يقول لها " ماالذي أصابك ، هذه جدتي أنا ! "
ماذا يجري ، ياترى ؟ جاء حينها رجل تظهر عليه علامات التقوى وقال ، وهو يخاطب المرأة " أمي ، ماذا هناك ؟ " ، فقالت له ابنتي " عفوا سيدي ، هذه ليست أمك ، إنها جدتي !
- ماذا ، جدتك ؟
- نعم ! "
كانت المرأة تجلس على مقعد عمومي من الخشب . اقتربت قليلا منها وأمعنت النظر. ياإلاهي ، إنها أمي ! لم أتمالك نفسي فصحت بأعلى صوتي " أمي ! " أجهشت هي بالبكاء ، وهي تقول " ابني ! ابني أحمد ! "
ارتميت في حظنها ، وقد اجتمع حولنا حشد هائل من الناس وأخذت أقبل رأسها ويديها ووجنتيها ، ثم بعد ذلك رجليها ، فسمعت أحدهم يقول " الله أكبر ! وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ." كانت نساء عدة تدرفن الدموع، وهن تغادرن المكان في هدوء .
قدم لي ذلك الشخص نفسه ، ثم دعاني وابنتي للغذاء عنده في منزله . كان إنسانا طيبا جدا ، يحب فعل الخير ومساعدة كل من هو في حاجة إلى مساعدته ؛ فهو الذي أخذ أمي في سيارته إلى منزله ، بعدما وجدها ، قبل سنتين في أحد الشوارع والمطر يهطل عليها بشدة ، وعلم منها ما صار من زوجتي في حقها . لقد أحبها ، وأحبتها زوجته ، وأصبح يناديها بأمي وهي تناديه بابنها .
اقترب منها وقال لها ، وهو يقبل يديها :
- هيا بنا ياحاجة !
- ماذا قلت ، حاجة ؟
- نعم ! لقد أخذتها معي في السنة الماضية إلى مكة ، خلال موسم الحج !
أمعنت النظر إليه ، ثم قلت :
- والله لقد أحببتك ، وأعتبرك منذ الآن بمثابة أخ لي !
قال ، وهو يبتسم :
وهذه أمنا !
مصطفى دهور. أستاذ اللغة الفرنسية.
الدار البيضاء.
( في الاسبوع الماضي شاركت بهذه القصة في مسابقة
نظمتها مجموعة " رابطة الكتاب العرب على الفيسبوك
للقصة القصيرة " ونلت شهادة تقديرية نظير مشاركتي
في سجال القصة القصيرة )
أتمنى ان تنال رضاكم انتم كذلك وتلقى تشجيعاتكم.
/ أين أنت ياأمي ؟ /
- أحمد ، اسمعني جيدا من فضلك ! أعرف أنك ستلتمس ، ككل مرة الأعذار لأمك وتقول بأنها امرأة مسنة ، وليس لها غيرك ، ولا يمكن أن تتخلى عنها ، إلى آخر ماهنالك ؛ لكن دعني أقول لك أنا ماهو أهم ، ولن أعيد ماأقول : ياأنا ، ياأمك في هذا البيت !
- ولم كل هذا ؟!
- لم ؟ وكأنك لاتعلم شيئا ! إنها تنغص علي حياتي ، وتكدر عيشي ؛ إنها تحشر أنفها في كل شيء ، وهذا يسبب لي إزعاجا كبيرا !
- غير صحيح ماتقولينه ، وكلانا يعرف هذا ؛ لكن ماذا تريدين مني أن أفعل ، أطردها من البيت ؟ لو كان بإمكاني ، لما تركتها لحظة واحدة معك !
مسكينة أمي ! زوجة أخي الأكبر لم تردها معهم بحجة أن منزلهم ضيق ، ولا يوجد مكان لتنام فيه ! أختي عادت ، بعد بومين قضتهم عندنا إلى المدينة التي كانت تقطن بها ، دون أن تعير الموضوع أي اهتمام ، وهي التي كنت أ عقد عليها كل الآمال لتأخذها كي تعيش معها وتخلصها من كره زوجتي وزوجة أخي لها . ياإلاهي ، ماالعمل ؟ هاهي زوجتي تأخذ الكلمة من جديد .
- عندي فكرة . . لم لاتأخذها لكي تعيش في دار العجزة ؟
- ماذا ؟ أجننت ياامرأة ؟ أمي في دار العجزة ، وأنا على قيد الحياة !
- والله هو حل يرضي الجميع ، ولست أظن أنها ستمانع !
كانت أمي تبكي في صمت وهي تسمع حوارنا ، وكان هذا يؤلمني ويملأ قلبي حزنا . آه لو لم يكن لي أبناء من هذه المرأة ، أقسم أنني لن أتردد لحظة في تطليقها !
غيرت ملابسي بسرعة وخرجت دون أن أتناول فطوري ؛ كانت الساعة تشير إلى السابعة والنصف صباحا ، وكان يجب أن أسرع لألحق عملي قبل الثامنة .
عدت إلى المنزل وقت الغذاء ، وأنا أكاد أطير من الفرح ! جئت ومعي الحل لمشكل أمي ! لي صديق في العمل يملك شقة صغيرة فارغة ، مخصصة للكراء ، وبثمن مناسب جدا . اتفقنا على كل شيء ، و في الغد ستنتقل لها أمي ، بعدما أكون قد جهزتها لها بأفخر الأثات ! لقد أخذت يومين إجازة من العمل من أجل هذا ؛ أضف إلى ذلك أنني سأبحث عن امرأة من أجل أن تطبخ وتنظف وتكنس ، وترعى جميع مصالح أمي .
ماإن دخلت حتى أخبرتني زوجتي بأن أمي قد خرجت في الصباح من المنزل ولم تعد .
- ماذا ؟ خرجت ولم تعد ؟
- نعم ، خرجت وقد أخذت معها حقيبتها ، وفيها بعض ملابسها .
- الله أكبر ! معناه أنها تركت البيت حيث لا رجعة !
- لست أدري ، المهم هذا ماوقع .
خرجت كاالأحمق أبحث عن أمي . كان الجو ممطرا ، وكان برد فبراير يعد ألا يصادف أحدا في الشارع إلا وأقرس أصابعه وجعل كل مفاصله ترتعش.
أمضيت اليوم كله وأنا أبحث عنها فلم أجدها ؛ كثفت البحث خلال كل أيام الأسبوع ، لا وجود لها . أين أنت ياأمي ؟ أين أنت ياأعز الناس ؟ يامن جعل الله الجنة تحت قدميك ؟ لست في أي مستشفى من مستشفيات المدينة ، ولا تعلم عليك مخافر الشرطة شيئا ، ولست بين الموتى في معرض الجثت ، ولم يضمك قبر في مقبرة ؛ فأين أنت ؟!
مرت سنتان . اختفت أمي تماما ، واختفى معها كل شيء : حبها ، حنانها ، طيبتها ، دعواتها . .
لقد أدمى الفراق قلبي ، وأصبح الحزن قبلتي وملاذي. أشار علي مرة أحد أصدقائي بتغيير الجو ، ومحاولة نسيان ماحدث ، لأني أصبحت حسب رأيه قاب قوسين أو أدنى من أن أصاب باكتئاب نفسي من جراء معاناتي من الحزن والمشاعر السلبية . كان صادقا في قوله ، فأنا أشعر فعلا بالحزن والقلق والذنب والرغبة في البكاء ، أضف إلى ذلك أني أصبحت أحس أن وجودي ليس له معنى .
أخذت ابنتي ذات العشر سنوات صبيحة أحد الأيام ، وكان يوم أحد ، ثم ذهبنا إلى حديقة الألعاب المخصصة للأطفال . بدأت أشعر بنوع من السرور وأنا أرى ابنتي تلعب وتمرح ؛ وفي لحظة ، سمعتها تناديني بأعلى صوتها ، وكأنها تستغييث " أبي ! أبي ! " أسرعت في مشيتي ، ولما وصلت إلى المكان الذي توجد فيه ، وجدتها تبكي ، وقد أمسكت بجلباب امرأة مسنة وتقول " جدتي " ؛ وكان طفل آخر يقول لها " ماالذي أصابك ، هذه جدتي أنا ! "
ماذا يجري ، ياترى ؟ جاء حينها رجل تظهر عليه علامات التقوى وقال ، وهو يخاطب المرأة " أمي ، ماذا هناك ؟ " ، فقالت له ابنتي " عفوا سيدي ، هذه ليست أمك ، إنها جدتي !
- ماذا ، جدتك ؟
- نعم ! "
كانت المرأة تجلس على مقعد عمومي من الخشب . اقتربت قليلا منها وأمعنت النظر. ياإلاهي ، إنها أمي ! لم أتمالك نفسي فصحت بأعلى صوتي " أمي ! " أجهشت هي بالبكاء ، وهي تقول " ابني ! ابني أحمد ! "
ارتميت في حظنها ، وقد اجتمع حولنا حشد هائل من الناس وأخذت أقبل رأسها ويديها ووجنتيها ، ثم بعد ذلك رجليها ، فسمعت أحدهم يقول " الله أكبر ! وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ." كانت نساء عدة تدرفن الدموع، وهن تغادرن المكان في هدوء .
قدم لي ذلك الشخص نفسه ، ثم دعاني وابنتي للغذاء عنده في منزله . كان إنسانا طيبا جدا ، يحب فعل الخير ومساعدة كل من هو في حاجة إلى مساعدته ؛ فهو الذي أخذ أمي في سيارته إلى منزله ، بعدما وجدها ، قبل سنتين في أحد الشوارع والمطر يهطل عليها بشدة ، وعلم منها ما صار من زوجتي في حقها . لقد أحبها ، وأحبتها زوجته ، وأصبح يناديها بأمي وهي تناديه بابنها .
اقترب منها وقال لها ، وهو يقبل يديها :
- هيا بنا ياحاجة !
- ماذا قلت ، حاجة ؟
- نعم ! لقد أخذتها معي في السنة الماضية إلى مكة ، خلال موسم الحج !
أمعنت النظر إليه ، ثم قلت :
- والله لقد أحببتك ، وأعتبرك منذ الآن بمثابة أخ لي !
قال ، وهو يبتسم :
وهذه أمنا !
مصطفى دهور. أستاذ اللغة الفرنسية.
الدار البيضاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق