- عندما أمرُّ على بيت قديم أشعر بحنين غريب بداخلي، وأظلُّ أفكر فيمن كانوا يعيشون في هذا البيت، وكيف كانت قلوبهم طيبة ونظيفة، وزمانهم كان كله خير ورحمة، وكانت كل القلوب متماسكة مع بعضها البعض في الأفراح والأتراح، وأتخيل النساء مجتمعات، وهنَّ يصنعن الكعك للعروس، والرجال والشباب يجمعن الكنبات من البيوت للفرح، وكذلك في المآتم، ولم يكن هناك باب من حديد علي كل شقة أو بيت مثلما نرى الآن.
- ياتري ما الذي تغيَّر، وجعلنا نصل إلى هذا الوضع؟
- هل الفقر، لا والله، الفقر كان قديمًا منتشرًا، ودليله أتذكر الثياب الرَّثَّة البالية المرقعة التي كان الناس يرتدونها، وأتذكر ونحن في الدراسة في المرحلة الابتدائية كان ملبسنا (مريلة) من القماش، ومن نفس القماش (تُخيَّط) حقيبة المدرسة - وهي واحدة - وتظل طوال العام، ولمَّا كبرنا وذهبنا للإعدادي (قميص + بنطلون) واحد ويظل طوال العام أيضًا، وأحذية معظم الناس كانت مرقعة، اليوم لا نرى هذا.
- الفقر كان شديدًا، ومعظم الناس كانوا بسطاء ودخولهم محدودة، ومعظم سلعهم كانوا يشترونها بالبيض، حيث إن البيوت كانت مليئة بالخيرات البعيدة عن المال، رزق من الله (الدجاج، البط، الإوز، الرومي، الحمام، الأرانب)، كانت هذه الأصناف من الدواجن هي رأس مال البيت، نشتري أصنافا من السِّلع اليومية للطهي بالبيض، وربما نشتري ما هو أكبر عن طريق بيع عدد من الدجاج أو البط أو الأرانب؛ لنقضي حاجتنا.
- لكنَّك صراحة لا تجد سرقة، ولا خطفًا، ولا رشوة، ولا تجد أحدًا ينظر لِمَا في يد غيره إلا نادرًا.
- أم السبب يرجع لبعدنا عن ديننا وأخلاقنا ومبادئنا وقيمنا، والتي جعلت الصغير لا يوقِّر الكبير، الولد لا يحترم أباه، المعلم ضاعت هيبته، انتشار الرشوة والفساد في المجتمع، السَّرقة التي زادت عن حدِّها، نفاق البعض للوصول إلى ما ليس من حقه، ربما.
- صراحة الزمن القديم كان زمن الصَّفاء والنَّقاء والقلوب الطيبة التي وُلدت على الفطرة، وعاشت على الفطرة وبالفطرة.
- وداعًا لهذا الزمن حيث كان الإنسان إنسانًا، وكانت القلوب قلوبًا.
اللهُمَّ بدِّل أحوالنا إلى الأحسن وردَّنا إليك ردًّا جميلًا يا أرحم الراحمين يا ربَّ العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق