قصة قصيرة،،،
بعنوان،،،ذكرياتي،،
على شدو أم كلثوم،،جلست خلف نافذتي أراقب تساقط قطرات الثلج وأستمع لدقاتها على نافذتي وكأنها وقع أقدام تقترب مني تأتي من خلف جبال ذكرياتي،،،
أستمع لأهات أم كلثوم وهى تشدو هل رأى الحب سكرى مثلنا،،،،
أهات تزلزل كياني ،وتثير أشجاني،
أبث دخان سجائري محمل بعبق شجوني وحنيني لما مضى من حياتي،،،،
إتكأت على مقعدي ونظرت أمامي من خلف نافذتي،،
وألحان الأطلال تعزف على أوتار قلبي،،،،وكأنها كتبت لى لتحكي مأساتي،،،
أين من عيني حبيبا ساحرا ،،،يالها من كلمات أثارت المارد الكامن بداخلي،،،
أغمضت عيوني وذهبت خلف السحاب لأعيش بعض اللحظات مع حنيني لذكرياتي الجميلة،،،
رحلة عمر مضت وكأنها قطرات ندى إنسابت من بين أناملي بهدوء لتتساقط على الأرض بدون أن تحدث أي صوت،،
ثلاثون عاما مضت وكأنها ثلاثون ثانية،أتذكرها وكأنها الأن،،،
كنت في العشرينات من عمري حديث التخرج من كلية الطب،،،متفوق دراسيا من عائلة ميسورة الحال ،،والدي موظف ووالدتي ربة منزل وأخوتي الثلاث في مراحل التعليم متفوقين دراسيا،، كان قد تم تعيني معيد بكلية الطب لتفوقي ولحصولي على الترتيب الأول في الدرجات العلمية،،،
بدأت حياتي العلمية والعملية،،وبدات مشواري في تحضير دراسات الماجستير في الطب النفسي،،،
كنت ألقي محاضرات لطلبة كلية الطب في الفرقة الأولى والثانية،،،
كان معروفا عني إجتهادي وتعاملي الراقي مع الطلبة فقد جمعني بهم التعامل الحسن ،وتبادل المعلومات، وتقارب وجهات النظر لتقاربي في السن معهم،،
كان همي كله في حياتي دراستي ومكانتي العلمية ،وخطواتي الثابتة التي أخطوها بكل ثقة لتحقيق أمالي،،،في أن أكون طبيبامشهورا في الطب النفسي،،
ومن بين تكدس الأماني والأحلام،،،
تظهر وكإنها القمر في الكمال،
كنت ألاحظ وجودها دائما في أول مدرج المحاضرات،،عند إلقاء محاضرتي،كنت أختلس بعض النظرات من خلف عدسات نظارتي،،،لأجدعيونها وقد تعلقت بي،وبمجرد رؤيتي تخفض أجفانها على استحياء،،،
ذلك الملاك البرئ ذو البشرة السمراء ذات العيون البنية الساحرةوأهدابها
وكأنها سهام مارقة أصابت قلبي بحبها، ،،نظرات ناعسة تخطف كل من ينظر إليها،وذلك الشعر الكيستنائي المنسدل على كتفيها وكأنه مجرى لمياه عذبة ينساب في هدوء على كتفيها،،وبعض خصلات شعرها تنسدل على جبينها لتزيده جمالا فوق جمال،،،
إنها حبيبتي أنا ومن تعلق قلبي بها،،،
كان حديثنا به لهفة الشوق،،،حديث الصمت ولكنه يفيض بمكنون مشاعرنا ،،
مرت الأيام وتوطدت علاقتنا وربط الحب بيننا، إتفقنا على الإرتباط بمجرد إنتهائي من دراسة الماجستير،،، مرت الأيام وبراعم حبنا نرويها بأمان لتزهر بين قلوبنا ربيع عشق وهيام جعل حياتنا ربيع دائم،،
تقدمت حبيبتي في دراستها وإنتقلت للفرقه الرابعة وأتممت دراسة الماجستير بتفوق،،،
وبدأت أعمل على دراسة الدكتوراه وقد إخترت دراسة مرض الزهايمر،،، ليكون محور دراسة الدكتوراه،،
تقدمت لخطبة حبيبتي وكلي أمل بموافقة والدها الذي كان يمتلك صرحا كبيرا في الصناعات الحديثة،،،
بعد محاولات مضنية وافق على مضض على الخطوبة،
هنا بدأت حياتي في الإزدهار،وتسربت السعادة لقلبي لوجود حبيبة فؤادي بجانبي،،
وفي خضام الفرح والسعادة،،،
تمنحني دولتي منحة لألمانيا لتكملةدراسة الدكتوراه،، وقد تحدد فترة السفر خلال شهر من تاريخ الإبلاغ بالمنحة،،،
كان وقع المنحة كالصاعقة ،، ففي لحظات ستتغير حياتي،
،كم كنت سعيدا جدا بها أنا وحبيبتي،،،إنها فرصة لن تعوض ،، هدية من الله لتكليل تعبي وإجتهادي لسنوات عمري الماضية،
تناقشت مع والد حبيبتي بأن تتزوج ونسافر لنكمل مشوار حياتنا في ألمانيا وتستمر هى في دراستها وتلتحق بكلية الطب في ألمانيا
وكانت الصدمة الكبرى،،،
لقد هاج وثار وتوعد،،
وأصدر أوامره لن تسافر أبنتي وتفارقني أبدا،،
حاولت معه بشتى الطرق ،وإذا به يطردتني من منزله ويقوم بفسخ خطوبتي على حبيبتي،،،
هنا وقفت حائر بين حبي و مستقبلي و الأيام تمر بسرعة البرق وميعاد السفر يقترب ولا مجال في تراجع والد حبيبتي،،،
حاولت بشتى الطرق مقابلته،،والتحدث معه ولكنه رفض،بل يستخدم نفوذه كأب وحبس حبيبتي في منزلها ،وقطع كل وسائل الإتصال بها حتى لا أستطيع التواصل معها،،،
وقفت حائر بين حبي ومستقبلي،،
هنا أشارا لي بعض الأصدقاء بضرورة السفر لأن المنحة فرصة لاتعوض،ومع الأيام الأمور سوف تهدأ ومن الممكن أن تعود المياه لمجراها الطبيعي،،،،
سافرت وكلي أمل أن تعود حبيبتي لحياتي مرة أخرى،،،
ومرت الأيام وزاد إنشغالي بين الدراسة وعملي في مستشفى الامراض النفسية،،،
احرزت تقدم ملحوظ في عملي وذاعت شهرتي في البلدة التي اسكن بها،،،،
في خضام السنين التي تتوالى لم يصلني أي أخبار عن حبيبتي،،،،
إلا بعد أربع سنوات من سفري احد الاصدقاء أخبرني بزواجها من أبن صديق والدها،،،
هنا قررت أن أغلق قصة حبي واجعلها من ذكرياتي العالقة في غياهب قلبي،،،،
إستمرت حياتي في تقدم في عملي وبين خضام الحياة،تظهر لي صديقة ألمانية طبيبة تحمل قلب عطوف وحنان يكفي الارض وماعليها،،،
حينها تملكني الإستغراب،،فألمانيا معروف عنها بانها ألات بشرية لامجال لديهم للعاطفة،،،
كانت صديقتي تشملني بكل رعاية طيبة،تتودد لي وتمد يد المساعدة،
لاانكر لقد مال قلبي لها،وطرب شغفا بها،ولكنه ليس حب انه استئناس بها في حياتي الموحشة،
تمر السنين وتقترب اكثر واكثر مني،
وبعد ان حصلت على الدكتوراه قررت الإرتباط بها،،،
كانت حياتي هادئة ،بين العمل والمنزل وقضاء وقت فراغي مع اولادي،فقد رزقني الله طفلين غاية في الجمال،،
ومرت حياتي وكانها مسيرة على ضفاف نهر استمع لخيرير مياه بكل هدوء،،،ثلاثون عاما مضت من حياتي في بلاد الغربة ،لم أزور بلادي خلالهم إلا مرتين عند وفاة والدتي ووالدي ،إنقطعت عني أخبار أهلي بعدها،،،،
وفي يوم من الايام شعرت ببعض الإرهاق فعدت مسرعا من عملى في المستشفى،لاتلقى بعض الراحة والإسترخاء،،
وبعد نوم عميق استيقظت وبي امر غريب ،،
لقد قررت فجأة أن ازور بلدي بعد غياب دام سنين،،،
كان قرار كالصاعقة بالنسبة لزوجتي وأبنائي،،لماذا هذا القرار،
انها مجرد زيارة قصيرة استعيد بها نشاطي وأجدد هويتي التي ضاعت في سنين غربتي،،،،
وفعلا انجزت اوراقي وإستلمت تذكرة السفر وحددت ميعاد رحلتي،،
وإقترب ميعاد السفر وتساؤلات كثيرة تتردد في نظرات زوجتي،،
لاتخافي إنها اجازة قصيرة وسوف أعود بسرعة لك ولأولاد ولعملي،،،،
عدت لبلادي وكاني اولد من جديد،
كنت قد تواصلت مع بعض أصدقائي طب وبمجرد ان لامست ارض بلادي وكاني بعثت من جديد،
عادت لي روحي الفكاهية وطفولتي في الحديث،
قضيت أيام رائعة مع أصدقائي وأهلي،أنهم حقا الإحساس بالامان والحنان الذي لا حدود له،،،،
وفي أثناء حديثي مع صديق لي سألت عن حبيبتي التي لم تغب عن خاطري لحظة،،،
وكانت المفاجأة،،
إنها نزيلة إحدى المستشفيات النفسية تعاني من مرض الزهايمر،،،
كان وقع الخبر وكانه حجر تهاوى على قلبي،،،
كيف هذا انها تصغرني بسنين كثر كيف تصاب بهذا المرض اللعين،،،
قص لي صديقي كيف تعذبت حبيبتي بعد سفري وكيف ارغمها والدها على الزواج بابن صديق له،
وكم كانت حياتها عذاب في عذاب،
تعرضت لازمات صحية ونفسية كثيرة،واصيبت بامراض شتى وذبل شبابها، ولم تنجب،
كانت حياتها عبارة عن رحلة عذاب،،،
طلقت بعد خمس سنوات من الزواج ،ولم ترتبط مرة اخرى،،،
وتوفى والدها من مدة قريبة،،،
وعند اصابتها بالزهايمر قام اخوها بوضعها في تلك المصحة،لتقوم على رعايتها،،،
هنا ثارت حفيظتي،،،،
وثرت ولم اعد ابالي من انا كل مااعلمه انها حبيبتي، التي ظلمتها الحياة،،،
في نفس اليوم ذهبت انا و صديقي لتلك المصحة،وطلبت مقابلة الطبيب المختص بحالتها،،،
واخبرني انها في المراحل المتاخرة من المرض،،
هنا قررت ان اخوض تجربة علاجها،،
فذلك تخصصي ولكم اشرفت على حالات كثيرة ممن اصابهم ذلك المرض اللعين،،،
ذهبت لغرفتها،،،فتحت باب الغرفة،،
فإذا بي اراها مستلقية في سريرها كالملاك النائم،
إنها هى حبيبتي لم تتغير ذلك الوجه الملائكي والهدوء يلتف حولها،،
اقتربت منها وجلست بجوارها،،،
لم انبث بكلمة ،ظللت انظر لهاحوالي ساعتين وهى نائمة،،
فتحت عيونها ببطء،،ونظرت هنا وهنا بخوف،،،وسألتني ،،،
من أنت،،،
إبتسمت وقلت لها طبيبك المعالج الجديد،،،
سألتني مااسمك،،،اجبتها اسمي عارف،،،
صمتت ونظرت للنافذة وقالت عارف،،،
أظن أني قد سمعت ذلك الاسم من قبل ولكن لا اعلم اين ولا متى،،،،
هنا دق قلبي،،
انها بشرى لاتزال متعلقة بي،،،
اخذت على عاتقي علاجها،وكنت ملازم لها في كل اوقاتها،،،،
اقوم برعايتها وباعطائها الدواء بنفسي،وبجلسات العلاج النفسي ومحاولة التذكر،،
كادت في من الايام ان تمسك بي وتتعلق بي،وتقول لاتتركني عارف،
أشعر اني اعرفك واني قريبة منك
ولكني لا اعلم من انت وماصلتك بي،،
هنا انهمرت الدموع من عيوني،بكاء على حبيبة قلبي ومااصابها،،،،
مرت الايام واصبحت شهور وزادت تساؤلات زوجتي واولادي متى تعود لنا،
وانا اتلمس الاعذار ،،واطلب مدة اخرى للإستجمام لتعبي النفسي،،،
لاحظت مع العلاج ومرور الايام تطور في الاستجابة وبدات تستجيب حبيبتي للعلاج وبدات تعتمد على نفسها في بعض الاشياء البسيطة،،
ساد جو من السعادة في المصحة النفسية لتقدم حالة حبيبتي،،،
ولكن كل شئ له نهاية،،،
في يوم ذهبت لها لاجالسها مثل كل يوم،،،
فإذا بها تقول لي ،،،
عارف،،، أسمك عارف أليس كذلك،،
اجبتها نعم وإبتسامتي تعلو شفاهي لانها تذكر اسمي،،،
أسندت رأسها على صدري ونظرت في عيوني بنظراتها الهادئة وتتفست انفاسها بهدوء،،،
وقالت شئ خفي يربطني بك اشعر أني اعرفك حق المعرفه،
اشعر انك قريب لقلبي،وان دقات وقلبي تعترف بوجودك بداخله،
احاول ان اتذكرك احاول جاهدة،،
انت عارف اليس كذلك،،
استمع لها وقلبي ينفطر على مدي ألمها ،ذلك المرض البشع الذي يذهب بالذاكرة،،
لقد اخذ مني حبيبتي وتركها لي طفلة لا حول لها ولا قوة،،،
بينما وهي نائمة في احضاني،
أجدها تنظر لي بكل شغف وتقول ضمني يا عارف لصدرك ضمني إغرقني بحنانك ،،، إروني من حبك الذي حرمت منه سنين عمري الماضية،،،
أحبك يا عارف ولم أحب غيرك في حياتي،،،
أفقت من نومي على همسات صوتها،
فإذا بهمسات صوتها تهدأ رويدا رويدا،،وفجأة يلتف الصمت حولنا،،
وتصمت حبيبتي للأبد وهى بين أحضاني،،،
ضممتها لصدري لإفاقتها ولكنها فارقت الحياة وهي بين أحضاني،،،
حبيبتي تذكرتني وتذكرت حبي لها قبل موتها،،،،
إنها قصة حبي التي لم تكتمل وظلت قابعة بداخل قلبي،،،،
عدت بعد ستة أشهر من وفاة حبيبتي،، لألمانيا عدت لعائلتي محطما،زاهد في كل شئ،
حاولت أن أستعيد حياتي مع أسرتي وزوجتي تمد يد المساعدة لي مرة أخرى لتنتشلني من بحر أحزاني،،،
عاهدت نفسي أن ابذل كل جهدي في سبيل مراعاة مرضى ذلك المرض اللعين الزهايمر، الذي أودى بحياة حبيبتي،،،
وتشدو ام كلثوم كلمات الأطلال،،،
وتعاودني الذكريات ،،
ماأقساها من ذكرياتي
وماأجملها من أطلال،،،
بقلم عبير جلال
مصر،،الإسكندرية،،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق