الأحد، 17 مايو 2020

(سجود الدواب لله تعالى) إعداد و تقديم الشاعرة /مهي أحمد عليوه المسلمي

(سجود الدواب لله تعالى)
يقول تعالى: «ولله يسجد مافي السموات ومافي الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون مايؤمرون»[النحل 49-50]. فإن كان الحق سبحانه وتعالى قد قال: «ولله يسجد مافي السموات وما في الأرض وفصلها بقوله تعالى: من دابة والملائكة من أقل الأشياء المتحركة وهى الدابة إلى أعلى الأشياء وهى الملائكة. قال الطبرى: يقول تعالى ذكره: ولله يخضع ويستسلم لأمره ما في السموات ومافي الأرض من دابة يدب عليها والملائكة التى في السموات وهم لايستكبرون عن التذلل له بالطاعة والذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون وظلالهم تتفيأ عن اليمين والشمائل سجداً لله وهم داخرون. فكل مافي السموات ومافي الأرض يسجد لله فالسجود بالنسبة لك أنت أيها الإنسان هو وضع جبهتك على الأرض ليدل على أن ذات الإنسان بعلوها ودنوها ساجدة لله، فالجبهة تسجد في مستوى القدم. والحق سبحانه وتعالى يريد منا أن نعرف استطراق العبودية في الوجود كله لأن الكافر وإن كان متمرداً على الله فيما جعل الله له فيه اختياراً في أن يؤمن أو يكفر يطيع أو يعصى نقول له: إنك قد ألفت التمرد على الله فطلب منك أن تؤمن لكنك كفرت وطلب منك أن تطيع ولكنك عصيت فأنت لك إلف بالتمرد على الحق ولكن لا تعتقد أنك خرجت من السجود والخضوع لله لأن الله يجرى عليك أشياء تكرهها ولكنها تقع عليك رغم أنفك وأنت خاضع وهذا معنى قوله تعالى(حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون»[التوبة:29]. مستذلون منفذون مع أنهم ألفوا التمرد على الحكم فحين يصيب الله الكافر بمرض لا يستطيع أن يتأتى على المرض فهذا خضوع بذلة وانكسار وكذلك حين يفقره أو يميته أو يصيبه في أولاده فكل ما يجريه عليه الله من مقادير هو فيها طائع وذليل وصاغر رغم أنفه وإن كان يأباه لأنه ألف الخروج عن طاعة الله فيما له فيه اختيار وليس هناك شيء في كون الله يخرج عن إرادته سبحانه. فقوله سبحانه:(من دابة والملائكة) والدابة هى ما يدب على الأرض والدب على الأرض معناه الحركة والمشى فشملت كل ما يتحرك ويدب على الأرض من مخلوقات أما الملائكة فلا يقال لها: دابة لأن الله جعل سعيها في الأمور بأجنحة قال تعالى:( أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع»[فاطر:1]. ويقول الحق سبحانه:«ولله يسجد مافي السموات ومافي الأرض من دابة والملائكة» فكلمة ما دائماً تطلق على غير العاقل وغير العارف من المخلوقات فقال تعالى:«مافي السموات ومافي الأرض» ولم يقل من في السموات لأن أغلب الأشياء الموجودة في الكون والتى تسجد لله ليس لها العلم والمعرفة بل إن الإنسان وهو المخلوق العاقل والمفكر في الكون هو أقل المخلوقات سجوداً وعبودية لله كما قلنا جاء السجود بأقل شيء في الكون وهو الدابة التى تدب على الأرض وحتى الملائكة الذين هم أعلى شيء. وهم لايستكبرون تفيد علوهم في الخلق وأنهم من نورانية وأنهم طائعون لله لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون مايؤمرون فمع مكانتهم وعلوهم إلا أنهم لا يستكبرون لأن الله هو الذى أعطاهم هذا التكريم. ويقول تعالى: «يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون»[النحل:50]. فالملائكة عليهم تكليف لأن الله تعالى يقول:«لا يعصون الله ماأمرهم ويفعلون مايؤمرون» فالخوف هو الفزع والوجل وهو يأتى من ترقب شيء من أعلى منك لا تستطيع أن تدفعه ولكن لو كان أمراً تستطيع دفعه لما خفت، فالشيء الذى في مقدورك لا تخاف منه ولكن الذى تخاف منه أمر لا يكون في مقدورك ولكنه في مقدور من هو أعلى منك فمرة يأتى الخوف بتوقع أذى لتقصير منك ومرة يأتى للمهابة والإجلال. وكلمة من فوقهم تأتى من أن الفوقية دائماً هى المسيطرة ولذلك جرت العادة أن يبنوا الحصون في الأماكن العالية حتى تتحكم فيما دونها من أمام وخلف ويمين وشمال وتحت. فالقوة هى محل العلو وهى تكون مرة فوقية مكان ومرة تكون فوقية مكانة فمن يرى أنها فوقية مكان وأن الله في السماء - بدليل أن الجارية لما سئلت عن ربها أشارت إلى السماء - فهذا من العلو. وقوله تعالى:«ويفعلون مايؤمرون» دليل على الطاعة فالطاعة أن تفعل ماأمرت به وأن تجتنب مانهيت عنه والحق سبحانه ذكر واحدة ولم يقل ويجتنبون ماينهون عنه لأن هناك شيئاً اسمه التلازم المنطقى وهو أن كل نهى عن شيء أمر بتركه. قال تعالى:«وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ماتفعلون» فهناك ملائكة لهم علاقة بنا وهؤلاء هم الذين أمرهم الله أن يسجدوا لآدم عليه السلام حينما خلقه بيده وصوره فكأنه سبحانه يقول لهم هذا هو الإنسان الذى ستكونون في خدمته فالسجود له بأمر الله لهم إعلان بأنهم يحفظونه من أمر الله ويدبرون له الأمور ويكتبون له أعماله وغير ذلك، أما الملائكة الذين لا علاقة لهم بالإنسان فهم لا يعلمون عنه شيئاً. ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى لإبليس حينما رفض السجود لآدم عليه السلام: (أستكبرت أم كنت من العالين) أى هل استكبرت أن تسجد أم كنت من الملائكة العالين الذين ليس لهم علاقة بهذا الإنسان ؟ بل هم المشغولون بالتسبيح والتحميد والذكر قال تعالى: (يسبحون الليل والنهار لا يفترون). إذن فكل شيء في الوجود خاضع لقضاء الله وقدره. ولكن الإنسان المختار والكون الذى يعيش فيه الاثنان لهما صفة الاختيار أيضاً لأن الله لم يقهر أحداً على الطاعة فالأشياء التى قالت: لا نريد أن نحمل الأمانة حينما عرض الله عليها حملها قالت: لا نريد أن نكون مختارين بل نريد أن نكون مسخرين لأن هناك فرقاً بين أن تقبل الشيء وقت تحمله وبين القدرة على الشيء حين أدائه فهناك فرق بين التحمل وبين الأداء. فالذى يريد أن يبريء ذمته من عدم ضمان وقت التحمل يقول: أنا لا أضمن الظروف ولا أحمل نفسى شيئاً قد لا أستطيع أداءه أو دع مالك عند أحد غيرى لأنى لا أضمن نفسى وقت الأداء ولا أريد أن أحملها فوق طاقتها. يقول الله تعالى: «إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها واشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً» فالإنسان العاقل هو الذى ينظر هل هو قادر على نفسه وقت الأداء أم لا. ولذلك قال تعالى:( وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً ) لأنه جهل تقدير حاله وقت أداء الأمانة فظلم نفسه ولم يقل يارب اجعلنى مثل السماء والأرض والجبال ولذلك فإن الحق سبحانه وتعالى يكرم عباده الصالحين لأنه وإن خلق لهم اختياراً وقبلوه قالوا: يارب أنت خلقت فينا اختياراً ولكنا خرجنا عن اختيارك لمرادك التكليفي فبذلك أصبحوا عباداً لله لأنهم تنازلوا عن اختيارهم فالاختيار أن تفعل أو لا تفعل ولذا فحال الانسان يقول: يارب ما دمت تريد ذلك تكليفاً أنا سأتنازل عن اختيارى وأكون صادعاً بأمرك فالذى تريده أنفذه وهذا هو الفرق بين الإنسان المختار وغيره من المخلوقات المقهورة المسخرة. فالأول يفعلها مع أنه قادر ومع ذلك غلب أمر ربه في التكليف على مراد نفسه في الاختيار.
مع أطيب الأمنيات بقضاء وقت طيب ومفيد والاستمتاع بفقراتنا
اعداد و تقديم الشاعرة /مهي أحمد عليوه المسلمي
إشراف الشاعر الكبير
حسن السحماوي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

سؤال. والصمت الجواب ... كلمات .. عبدالفتاح غريب

  سؤال. والصمت الجواب من أضناه بعد طول الصبر الحنين ومضى على درب ذكرى ولت بمحراب الوتين دام بحلم باللقاء يناجي نجم طيف بالرجاء حجب عن حناي...