* قراؤنا الأعزاء ، سلام الله عليكم !
إسمحوا لي أن أعيد على مسامعكم نشر هاته القصة التي سبق ونالت إعجاب الكثيرين ، متمنيا أن تنال رضا وإعجاب ممن يقرؤونها لأول مرة.
عمتي العزيزة !
كانت عمتي تزورنا مرات عديدة في الأسبوع ، لقد كانت تسكن بالحي المجاور لنا . كانت امرأة شريرة ، لاتتوانى في فعل كل ما من شأنه أن يخلق مشاكل بين الناس ! تكذب ، تنافق ، تنقل خبر هذا لذاك ، تشهد الزور . . أما الشيء الذي كان يسعدها ويجعلها تحلق في الفضاء من شدة الفرح هو أن تتسبب في هدم علاقة ما ، يطبعها الحب ، بين زوج وزوجته مثلا ، أو بين شاب وخطيبته ، أو بين أخ وأخيه . . والأمثلة كثيرة !
كانت تكبر أبي بعشر سنين ، وكانت تفتخر بأنها هي التي ربته ، بعد أن توفيت أمهما ، وهو ما يزال في الثانية من عمره ! وعن أي تربية تتحدثين ياعمتي ! لم يكن أبي ذا شكيمة ، وكانت شخصيته ضعيفة ؛ كان ينقاد وراء كل ماتوحين به إليه ، حتى ولو كان فيه مضرة له ! لايفكر،لا يحلل أو يحرم ؛ فنصائحك أو توصياتك كانت تمثل بالنسبة له قانونا لايجب مناقشته أو مخالفته !
عن أي تربية تتحدثين يا عمتي ! كم مرة كان أبي يقوم من مكانه وهو في حالة غيض ، فينهال علينا ضربا ، أنا وأختي ، لمجرد أنك قلت ، أنت التي تتواجدين دائما بيننا بأننا عديمي التربية ، ونستحق كل أنواع العقاب والمهانة ! ونعم التربية التي تلقاها أخوك على يديك، أن يكسر ضلوعنا إرضاء لك ياعمتي !
مسكين أبي ، كان يصدق كل ماتقوله له ! لقد سبق وطلق أمي مرتين ، وذلك لأن عمتي قالت له - كذبا ! - بأنها رأتها بالسوق المجاورة لنا، وهي تضحك وتمزح كفتاة مراهقة ، مرة مع الجزار، وكان هذا هو سبب الطلقة الأولى ؛ ثم مع بائع الخضر ، عامين من بعد ، وذلك كان سبب الطلقة الثانية .
كانت عمتي مصدر كل المشاكل التي كنا نعيشها . كان قانونها بمثابة سيف مسلط على أعناقنا ، فكان يسري علينا جميعا ، بما فينا أمي المسكينة !
كانت تحشر أنفها في كل شيء ! فهي التي تختار لنا كبش العيد،وألوان الملابس التي نلبسها، والمكان الذي نسافر إليه ..
كان عمري ثمان سنوات عندما قلت مرة بأن لون القميص الذي اختارته لي لايعجبني ، وقالت أختي التي تصغرني بعامين مثل قولي عن لون تنورتها .
قامت عمتي وقد هاجها كلامنا ، ثم قالت لأبي : " لن أعود أبدا إلى هذا المنزل الذي لايحبني فيه أبناؤك !" لم تكن قضية حب ياعمتي، بل قضية ذوق ! قام أبي على التو من مكانه ، وكأني به يرتعش ، ليقبل رأسها ويطلب منها الجلوس ، ثم ليشبعنا بعد ذلك نحن ضربا مبرحا . كنا نصرخ من شدة ألم الحداء الذي كان ينهال به أبي على رؤوسنا ، وكانت عمتي تنظر إلينا وهي تبتسم ؛ كانت ابتسامة عريضة ، مليئة بالسرور والإرتياح نكاية منها ، وكأنها تأخذ بثأرها منا ! كل شيء مايزال عالقا بذهني !
أنا الآن في العاشرة من عمري ، وأختي في الثامنة . لقد أصبحنا نعيش بعيدا عن أبي وعن عمتي ؛ أصبحت حياتنا مليئة بالأفراح والمسرات ؛ أما أمي ، فأصبحت سيدة في بيتها ، محبوبة ، معززة ، مكرمة !
ماذا جرى ياترى ؟ ماسبب هذا البعد ؟ أهو الفراق أم ماذا ؟ اسمحوا لي ، أفضل أن أحكي لكم ذلك حسب توالي الأحداث ، أي منذ عامين قد خلت ، عندما كان عمري فقط ثمان سنوات .
كنت في القسم الثاني ابتدائي ، وكان المدرس يحبني كثيرا لأنني كنت تلميذا نجيبا . ذات مرة ، مرضت واشتد بي المرض ، فلم ألتحق بالمدرسة لمدة أسبوع. كان المعلم يسأل عني باستمرار كل التلاميذ ، وذات يوم قرر أن يزورني . دله بعض أصدقائي على المنزل فجاء ودق الباب ، فاستقبلته عمتي التي كانت توجد عندنا آنذاك ؛ فلما دخل الرجل ، طلبت عمتي من أمي أن تهيأ الشاي ، ريثما تعود هي بشيء من الحلوى من المخبزة المجاورة . لكن عمتي لم تذهب إلى المخبزة ، بل قادها شيطانها إلى حانوت أبي ، حيث كان يصلح الدراجات النارية . ماإن التقت أعينهما حتى قالت له ، وهي تصرخ " قم من مكانك وضع مافي يدك واتبعني ! " لم يدر أبي مايفعل ، فقالت له " اترك كل شيء واتبعني؛ إن عشيق زوجتك يوجد عندها بالمنزل ! "
حضر أبي وكل مفاصله ترتجف ، فلقد نال منه الغضب ! ماإن دخل حتى انقض على الرجل وأخذ يشبعه لكما وضربا حتى انتفخت عيناه ، ثم قال لأمي ، بعد أن أشبعها ضربا هي الأخرى ، وكسر بعض أسنانها" أنت طالق ! أنت طالق أيتها الفاجرة !"
لم يستوعب المعلم المسكين ماالذي يحدث له ، لكن ما إن سمع أبي يتفوه بكلمة طالق ، وكلمة فاجرة حتى أدرك خطورة الموقف ، وفر هاربا من الدار !
مر شهر على على وجودنا ، أنا وأختي وأمي في دار جدي الذي كان يعيش وحده ، في حي بعيد جدا عن الحي الذي كنا نسكن فيه .
في صباح أحد الأيام ، وكان يوم أحد ، جاء أبي ومعه عمتي من أجل إرجاع أمي ، فقال لهم جدي ، وهو يبتسم " إنها الطلقة الثالثة ! " قالت عمتي " الطلقة الثالثة ، ماذا تعني بهذا الكلام ؟ " نظر إليها جدي بعمق ، ثم قال لها " إذا طلق الرجل زوجته ثلاث مرات ، فلا تحل له من بعد حتى تتزوج رجلا غيره ، وتتطلق منه ! " قالت عمتي ، وهي غاضبة " لم نسمع أبدا بهذا الكلام في حياتنا ! ماهذا إلا حجة منك لتقف أمام إرجاع أخي زوجته ! "
بقي جدي صامتا لفترة ، بعدها قال " اذهبوا واسألوا أي فقيه ، فإن لم يقل لكم مثل هذا الكلام ، فعودوا وخذوا ابنتي معكم ، دون أي شرط ! "
لقد كانت عمتي عنيدة ، ولا تصدق كل مايقال لها حتى ولو كان صحيحا ! اتصلت بأكثر من فقيه ، وعلمت منهم كلهم بأن المرأة في الإسلام لن تحل لزوجها بعد الطلقة الثالثة حتى تتزوج رجلا آخر ويطلقها ، لكنها لم تقتنع وأصرت على أن تبحث عن حل يناسب حالة أخيها وزوجته ! و ذات يوم ، اتصل بها أحد الجيران وقال لها بأنه بإمكانها أن تجد شخصا لتتفق معه ، وتعطيه بعض المال ليتزوج زوجة أخيها ، ثم يطلقها بعد يومين أو ثلاثة ! لكن شخصا آخر استشارت معه عمتي ، فقط من باب العلم بالشيء قال لها بأن هذا شيء حرام ، نظرا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم " ألا أخبركم بالتيس المستعار ، إنه المحلل ؛ لعن الله المحلل والمحلل له. "
لم تأبه عمتي لهذا الكلام ، وبقيت تبحث وتبحث حتى وجدت شخصا اتفقت معه على كل شيء ، وأعطته مايربد ، على أن تبقى المسألة سرا بينهما .
بعد أسبوع ، عقد الرجل قران الزواج على أمي وأخذها لبيته لتعيش معه ، وأختي وأنا معهما بالطبع !
ظلت عمتي وأخوها ينتظران. لقد فات الأجل المتفق عليه ليطلق الرجل أمي كي تعود إلى أبي !
مر أكثر من شهر . . ذات يوم ، جاءت عمتي ومعها أبي ، ودقا الباب وانتظرا طويلا ليخرج إليهما الرجل . قالت له ، وهي غاضبة : ماهذا يارجل ! ألا نتم الإتفاق وتطلق المرأة لتعود إلى زوجها ؟
طلب منها الرجل أن تنتظر بعض الوقت ، ثم دخل إلى الدار ليعود بعد فترة قصيرة ، وفي يده ظرف ، ثم قال لها :
- إن المال الذي أعطيتيني إياه من أجل أن أقوم بمهمة المحلل يوجد في هذا الظرف ؛ أما عن تطليقي المرأة ، فهذا شيء مستحيل !
- مستحيل ، كيف ؟
- تريدين أن تعرفي كيف ، حسن ! هل يعقل ياامرأة أن يطلق رجل زوجة يحبها . .
- ماذا ، يحبها ؟!
- نعم ، يحبها ويعشقها ، وهي تباذله نفس الشعور . .
- آه ، تباذله نفس الشعور ، صحيح ! أيمكن أن أسألها ؟
- تسألينها ؟
- نعم ! إنك تكذب بدون شك ، وتبالغ فيما تقول !
- أكذب ، سوف نرى ! في هذه الأثناء ، فتحت أمي النافذة وقالت :
- إن ماقاله زوجي صحيح ! لقد استجاب الله لدعواتي ، فخلصني من شروركم ، ورزقني برجل من أغلى الرجال ! رجل يفعل كل شيء من أجل سعادتي وسعادة أبنائي ، وأنا أفديه بروحي ، وأحبه من كل أعماق قلبي !
لم يتمالك أبي المسكين أعصابه ، عند سماع هذا الكلام ، فسقط على الأرض مغمى عليه . كانت الصدمة العصبية قوية جدا ، مما تسبب له في شلل نصفي ؛ فهو الآن يتنقل بواسطة كرسي متحرك .
إيه عمتي ! أظن أن الوقت ، والذي لم تعملي حسابه ربما قد حان لتجني بعض ثمار مازرعتيه من شرور !
لم يكن لديها أبناء ، وكانت مطلقة ؛ هاهي الآن ، وكأني بها " تكمل " تربية أخيها العاجز تماما على فعل أي شيء لوحده ، بما في ذلك الذهاب إلى المرحاض ! لم يعد بإمكانها أن تتركه وحده في المنزل ، فأصبحت تتغيب كثيرا عن عملها ، مما أدى بصاحب المعمل أن يستغني عنها ويبحث عن عاملة أخرى . أصبحت حياتها أشبه بجحيم !
ذات يوم ، بينما كانت تقود أخاها في الشارع وهي تبكي من شدة الهموم ، والفقر ، وقلة الحيلة ، أوقفها أحد الأشخاص ومد لها درهما ؛ ثم جاءت امرأة وفعلت نفس الشيء . . انفجرت عمتي من البكاء وهي تقول " لا ، لسنا متسولين . . لسنا متسولين . . " لكن مع مرور الوقت وتوالي الأحداث ، وقسوة الحياة خاصة ، سيصبح التسول هو الطريق الوحيد أمام عمتي وأخيها إن هما أرادا ألا يموتا جوعا !
أما عنا نحن ، فلقد انتقلنا إلى مدينة أخرى ، وأصبحنا نعيش مع رجل يحب أمنا ويحترمها ، ويحبنا نحن ويرعى مصالحنا ، كما لو كنا أبناءه من صلبه ، أو أكثر !
مصطفى دهور . أستاذ اللغة الفرنسية.
الدار البيضاء.
إسمحوا لي أن أعيد على مسامعكم نشر هاته القصة التي سبق ونالت إعجاب الكثيرين ، متمنيا أن تنال رضا وإعجاب ممن يقرؤونها لأول مرة.
عمتي العزيزة !
كانت عمتي تزورنا مرات عديدة في الأسبوع ، لقد كانت تسكن بالحي المجاور لنا . كانت امرأة شريرة ، لاتتوانى في فعل كل ما من شأنه أن يخلق مشاكل بين الناس ! تكذب ، تنافق ، تنقل خبر هذا لذاك ، تشهد الزور . . أما الشيء الذي كان يسعدها ويجعلها تحلق في الفضاء من شدة الفرح هو أن تتسبب في هدم علاقة ما ، يطبعها الحب ، بين زوج وزوجته مثلا ، أو بين شاب وخطيبته ، أو بين أخ وأخيه . . والأمثلة كثيرة !
كانت تكبر أبي بعشر سنين ، وكانت تفتخر بأنها هي التي ربته ، بعد أن توفيت أمهما ، وهو ما يزال في الثانية من عمره ! وعن أي تربية تتحدثين ياعمتي ! لم يكن أبي ذا شكيمة ، وكانت شخصيته ضعيفة ؛ كان ينقاد وراء كل ماتوحين به إليه ، حتى ولو كان فيه مضرة له ! لايفكر،لا يحلل أو يحرم ؛ فنصائحك أو توصياتك كانت تمثل بالنسبة له قانونا لايجب مناقشته أو مخالفته !
عن أي تربية تتحدثين يا عمتي ! كم مرة كان أبي يقوم من مكانه وهو في حالة غيض ، فينهال علينا ضربا ، أنا وأختي ، لمجرد أنك قلت ، أنت التي تتواجدين دائما بيننا بأننا عديمي التربية ، ونستحق كل أنواع العقاب والمهانة ! ونعم التربية التي تلقاها أخوك على يديك، أن يكسر ضلوعنا إرضاء لك ياعمتي !
مسكين أبي ، كان يصدق كل ماتقوله له ! لقد سبق وطلق أمي مرتين ، وذلك لأن عمتي قالت له - كذبا ! - بأنها رأتها بالسوق المجاورة لنا، وهي تضحك وتمزح كفتاة مراهقة ، مرة مع الجزار، وكان هذا هو سبب الطلقة الأولى ؛ ثم مع بائع الخضر ، عامين من بعد ، وذلك كان سبب الطلقة الثانية .
كانت عمتي مصدر كل المشاكل التي كنا نعيشها . كان قانونها بمثابة سيف مسلط على أعناقنا ، فكان يسري علينا جميعا ، بما فينا أمي المسكينة !
كانت تحشر أنفها في كل شيء ! فهي التي تختار لنا كبش العيد،وألوان الملابس التي نلبسها، والمكان الذي نسافر إليه ..
كان عمري ثمان سنوات عندما قلت مرة بأن لون القميص الذي اختارته لي لايعجبني ، وقالت أختي التي تصغرني بعامين مثل قولي عن لون تنورتها .
قامت عمتي وقد هاجها كلامنا ، ثم قالت لأبي : " لن أعود أبدا إلى هذا المنزل الذي لايحبني فيه أبناؤك !" لم تكن قضية حب ياعمتي، بل قضية ذوق ! قام أبي على التو من مكانه ، وكأني به يرتعش ، ليقبل رأسها ويطلب منها الجلوس ، ثم ليشبعنا بعد ذلك نحن ضربا مبرحا . كنا نصرخ من شدة ألم الحداء الذي كان ينهال به أبي على رؤوسنا ، وكانت عمتي تنظر إلينا وهي تبتسم ؛ كانت ابتسامة عريضة ، مليئة بالسرور والإرتياح نكاية منها ، وكأنها تأخذ بثأرها منا ! كل شيء مايزال عالقا بذهني !
أنا الآن في العاشرة من عمري ، وأختي في الثامنة . لقد أصبحنا نعيش بعيدا عن أبي وعن عمتي ؛ أصبحت حياتنا مليئة بالأفراح والمسرات ؛ أما أمي ، فأصبحت سيدة في بيتها ، محبوبة ، معززة ، مكرمة !
ماذا جرى ياترى ؟ ماسبب هذا البعد ؟ أهو الفراق أم ماذا ؟ اسمحوا لي ، أفضل أن أحكي لكم ذلك حسب توالي الأحداث ، أي منذ عامين قد خلت ، عندما كان عمري فقط ثمان سنوات .
كنت في القسم الثاني ابتدائي ، وكان المدرس يحبني كثيرا لأنني كنت تلميذا نجيبا . ذات مرة ، مرضت واشتد بي المرض ، فلم ألتحق بالمدرسة لمدة أسبوع. كان المعلم يسأل عني باستمرار كل التلاميذ ، وذات يوم قرر أن يزورني . دله بعض أصدقائي على المنزل فجاء ودق الباب ، فاستقبلته عمتي التي كانت توجد عندنا آنذاك ؛ فلما دخل الرجل ، طلبت عمتي من أمي أن تهيأ الشاي ، ريثما تعود هي بشيء من الحلوى من المخبزة المجاورة . لكن عمتي لم تذهب إلى المخبزة ، بل قادها شيطانها إلى حانوت أبي ، حيث كان يصلح الدراجات النارية . ماإن التقت أعينهما حتى قالت له ، وهي تصرخ " قم من مكانك وضع مافي يدك واتبعني ! " لم يدر أبي مايفعل ، فقالت له " اترك كل شيء واتبعني؛ إن عشيق زوجتك يوجد عندها بالمنزل ! "
حضر أبي وكل مفاصله ترتجف ، فلقد نال منه الغضب ! ماإن دخل حتى انقض على الرجل وأخذ يشبعه لكما وضربا حتى انتفخت عيناه ، ثم قال لأمي ، بعد أن أشبعها ضربا هي الأخرى ، وكسر بعض أسنانها" أنت طالق ! أنت طالق أيتها الفاجرة !"
لم يستوعب المعلم المسكين ماالذي يحدث له ، لكن ما إن سمع أبي يتفوه بكلمة طالق ، وكلمة فاجرة حتى أدرك خطورة الموقف ، وفر هاربا من الدار !
مر شهر على على وجودنا ، أنا وأختي وأمي في دار جدي الذي كان يعيش وحده ، في حي بعيد جدا عن الحي الذي كنا نسكن فيه .
في صباح أحد الأيام ، وكان يوم أحد ، جاء أبي ومعه عمتي من أجل إرجاع أمي ، فقال لهم جدي ، وهو يبتسم " إنها الطلقة الثالثة ! " قالت عمتي " الطلقة الثالثة ، ماذا تعني بهذا الكلام ؟ " نظر إليها جدي بعمق ، ثم قال لها " إذا طلق الرجل زوجته ثلاث مرات ، فلا تحل له من بعد حتى تتزوج رجلا غيره ، وتتطلق منه ! " قالت عمتي ، وهي غاضبة " لم نسمع أبدا بهذا الكلام في حياتنا ! ماهذا إلا حجة منك لتقف أمام إرجاع أخي زوجته ! "
بقي جدي صامتا لفترة ، بعدها قال " اذهبوا واسألوا أي فقيه ، فإن لم يقل لكم مثل هذا الكلام ، فعودوا وخذوا ابنتي معكم ، دون أي شرط ! "
لقد كانت عمتي عنيدة ، ولا تصدق كل مايقال لها حتى ولو كان صحيحا ! اتصلت بأكثر من فقيه ، وعلمت منهم كلهم بأن المرأة في الإسلام لن تحل لزوجها بعد الطلقة الثالثة حتى تتزوج رجلا آخر ويطلقها ، لكنها لم تقتنع وأصرت على أن تبحث عن حل يناسب حالة أخيها وزوجته ! و ذات يوم ، اتصل بها أحد الجيران وقال لها بأنه بإمكانها أن تجد شخصا لتتفق معه ، وتعطيه بعض المال ليتزوج زوجة أخيها ، ثم يطلقها بعد يومين أو ثلاثة ! لكن شخصا آخر استشارت معه عمتي ، فقط من باب العلم بالشيء قال لها بأن هذا شيء حرام ، نظرا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم " ألا أخبركم بالتيس المستعار ، إنه المحلل ؛ لعن الله المحلل والمحلل له. "
لم تأبه عمتي لهذا الكلام ، وبقيت تبحث وتبحث حتى وجدت شخصا اتفقت معه على كل شيء ، وأعطته مايربد ، على أن تبقى المسألة سرا بينهما .
بعد أسبوع ، عقد الرجل قران الزواج على أمي وأخذها لبيته لتعيش معه ، وأختي وأنا معهما بالطبع !
ظلت عمتي وأخوها ينتظران. لقد فات الأجل المتفق عليه ليطلق الرجل أمي كي تعود إلى أبي !
مر أكثر من شهر . . ذات يوم ، جاءت عمتي ومعها أبي ، ودقا الباب وانتظرا طويلا ليخرج إليهما الرجل . قالت له ، وهي غاضبة : ماهذا يارجل ! ألا نتم الإتفاق وتطلق المرأة لتعود إلى زوجها ؟
طلب منها الرجل أن تنتظر بعض الوقت ، ثم دخل إلى الدار ليعود بعد فترة قصيرة ، وفي يده ظرف ، ثم قال لها :
- إن المال الذي أعطيتيني إياه من أجل أن أقوم بمهمة المحلل يوجد في هذا الظرف ؛ أما عن تطليقي المرأة ، فهذا شيء مستحيل !
- مستحيل ، كيف ؟
- تريدين أن تعرفي كيف ، حسن ! هل يعقل ياامرأة أن يطلق رجل زوجة يحبها . .
- ماذا ، يحبها ؟!
- نعم ، يحبها ويعشقها ، وهي تباذله نفس الشعور . .
- آه ، تباذله نفس الشعور ، صحيح ! أيمكن أن أسألها ؟
- تسألينها ؟
- نعم ! إنك تكذب بدون شك ، وتبالغ فيما تقول !
- أكذب ، سوف نرى ! في هذه الأثناء ، فتحت أمي النافذة وقالت :
- إن ماقاله زوجي صحيح ! لقد استجاب الله لدعواتي ، فخلصني من شروركم ، ورزقني برجل من أغلى الرجال ! رجل يفعل كل شيء من أجل سعادتي وسعادة أبنائي ، وأنا أفديه بروحي ، وأحبه من كل أعماق قلبي !
لم يتمالك أبي المسكين أعصابه ، عند سماع هذا الكلام ، فسقط على الأرض مغمى عليه . كانت الصدمة العصبية قوية جدا ، مما تسبب له في شلل نصفي ؛ فهو الآن يتنقل بواسطة كرسي متحرك .
إيه عمتي ! أظن أن الوقت ، والذي لم تعملي حسابه ربما قد حان لتجني بعض ثمار مازرعتيه من شرور !
لم يكن لديها أبناء ، وكانت مطلقة ؛ هاهي الآن ، وكأني بها " تكمل " تربية أخيها العاجز تماما على فعل أي شيء لوحده ، بما في ذلك الذهاب إلى المرحاض ! لم يعد بإمكانها أن تتركه وحده في المنزل ، فأصبحت تتغيب كثيرا عن عملها ، مما أدى بصاحب المعمل أن يستغني عنها ويبحث عن عاملة أخرى . أصبحت حياتها أشبه بجحيم !
ذات يوم ، بينما كانت تقود أخاها في الشارع وهي تبكي من شدة الهموم ، والفقر ، وقلة الحيلة ، أوقفها أحد الأشخاص ومد لها درهما ؛ ثم جاءت امرأة وفعلت نفس الشيء . . انفجرت عمتي من البكاء وهي تقول " لا ، لسنا متسولين . . لسنا متسولين . . " لكن مع مرور الوقت وتوالي الأحداث ، وقسوة الحياة خاصة ، سيصبح التسول هو الطريق الوحيد أمام عمتي وأخيها إن هما أرادا ألا يموتا جوعا !
أما عنا نحن ، فلقد انتقلنا إلى مدينة أخرى ، وأصبحنا نعيش مع رجل يحب أمنا ويحترمها ، ويحبنا نحن ويرعى مصالحنا ، كما لو كنا أبناءه من صلبه ، أو أكثر !
مصطفى دهور . أستاذ اللغة الفرنسية.
الدار البيضاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق