الاثنين، 9 أكتوبر 2017

القصة القصيرة" بقلم الأديب الأستاذ / مصطفى دهور . أستاذ اللغة الفرنسية. الدار البيضاء .

* الإخوة الأعزاء ، سلام الله عليكم !
إليكم هاته "القصة القصيرة" التي أتمنى أن تنال رضاكم وتلقى تشجيعاتكم .

بين الأمل والضياع
كان الرجل يغط في النوم ، لكنه كان من حين لآخر يتقلب في فراشه ، وكأني به يئن من الألم . بقي على هذه الحال لمدة طويلة ، وفجأة استيقظ من النوم مذعورا وهو يقول " أعود بالله من الشيطان الرجيم ! "
ذهب إلى المطبخ وفتح الثلاجة وتناول قنينة ماء ، ثم شرب حتى ارتوى ؛ بعد ذلك ذهب إلى شرفة المنزل وأشعل سيجارة ليدخنها في هدوء تام . رفع بعد ذلك عينيه إلى السماء وهو يقول في قرارة نفسه " هذه رؤيا وليس حلما عاديا !"

كان يعيش وحده ، بعد أن طلق زوجته وتحمل نفقة ابنته ذات السبع أو الثمان سنوات ؛ لكن الشيء الذي كان ينخر قلبه ويزلزل كل كيانه حتى يكاد يفتك به كان يتمثل في كونه أنه لم يرد ، بل لم يقدر أن يعترف بابن كان قد أنجبه منذ سبعة عشر سنة مضت من امرأة لم يكن يربطه بها أي عقد زواج ؛ امرأة من " إياهم " كما يقال ، كان قد تعرف عليها بإحدى حانات الدار البيضاء ليلا .
" أنت عاهرة ، ومن أدراني أن هذا الإبن هو ابني فعلا !"
كانت هذه الجملة تتردد دائما على لسانه ، كلما جاءت المرأة تطلب منه أن يتزوجها ويعترف بابنه ؛ وكانت هي تقول له في كل مرة " أقسم بالله العظيم أن هذا الإبن إبنك ، كما أقسم أنني لم أعاشر رجلا آخر منذ أن عرفتك !"

كبر الإبن وأصبح عمره يناهز السابعة عشرة ؛ كان يدرس بإحدى الثانويات التأهيلية ، وكانت أمه تشتري له أحسن الثياب وتعطيه مصروفه اليومي . لقد تابت عما كانت تفعله وأصبحت امرأة عادية ، تبيع الخضر في رأس الدرب لتعيش هي وابنها . كان الكل يحترمها ويقدر مجهوداتها ؛ أما عن الإبن ، فكانت المدرسة تتكفل في كل سنة بمنحه المقررات الدراسية ، كونه يتيم الأب ، وأمه امرأة فقيرة .
ذات يوم ، قررت المرأة أن تطلع ابنها على حقيقة الأمر ، هو الذي يعرف فقط أن أباه كان قد توفي في حادثة سير ، لما لم يكن هو قد تجاوز سن الثانية من عمره .
كانت حقيقة مرة ، مؤلمة بعثرت كل أوراق الإبن وحطمت كل معناوياته . كان كلما ردد في قرارة نفسه " أنا ابن حرام !" ، أحس بالغثيان وكانت نبضات قلبه ترتفع ، وكان يشعر بأنه سيغمى عليه ! لم يعد ذلك التلميذ المجتهد والطموح ، بل أصبح يعيش فراغا قاتلا . كانت روحه تكاد تزهق منه كلما تذكر أنه ابن غير شرعي ، نجب عن علاقة غير شرعية ، من أم عاهرة وأب زان .
في أحد الأيام ، طلب الإبن من أمه أن تذله على مكان إقامة أبيه ، ففعلت وكلها أمل أن قلب الأب سيحن عندما يرى ابنه أمام عينيه وسيعترف به ، وربما أصبح الحال غير الحال ، وعقد عليها الرجل قران الزواج ، وأصبح لديها عائلة ورجل يعولها وينقدها من قسوة الحياة وشراستها . كان يوم أحد ، وكانت عقارب الساعة تشير إلى الثالثة بعد الزوال . وصل الإبن إلى المنزل الذي يقيم به الأب ، وكان في الطابق الأول بإحدى العمارات ، فدق الباب مرة وأخرى وثالثة وقلبه يرتعش ، لكن لم يجبه أحد . لم ييأس وبقي يدق ويدق حتى سمع صوتا يقول له " انتظر ! " وبعد فترة وجيزة من الزمن ، فتح الباب . التقت أعين الإبن بأعين أبيه ، لكن دون أي شعور عاطفي أو شيئا من هذا القبيل من طرف الإبن.كان الرجل ثملا، وكانت رائحة الخمر تفوح من فمه وأنفه .
- من أنت ، وماذا تريد ؟
- أنا إبنك !
- ماذا ، ابني ؟! ههه . . أنا ليس لي أبناء في سنك !
- بل لك ! أنا إبنك،وهذا الشبه الصارخ بيننا يذل على أنك أبي!
- الشبه، أتدري ماتقول ياولد؟ ألم تعلم أن الله يخلق من الشبه أربعين ؟
- لكني أنا إبنك ، وأمي هي تلك المرأة التي كنت تعاشرها قبل سبع عشرة سنة ، والتي كنت قد تعرفت عليها بإحدى الحانات . .
- آه ، ابن عاهرة إذن ! أنصحك أن تبحث عن شبهك في مكان آخر ! فهناك البقال ، والجزار ، والإسكافي . . وهناك الحانات الليلية قرب المارشي سنطرال ، أو قرب ألفا 55 . .
- اصمت ، فأنت رجل غير محترم ، ولن أكون أبدا فخورا بأن تكون أبي !
مر على هذا الحدث أكثر من شهر . كان الرجل يعرف أين يسكن ابنه وتلك المرأة التي أنجبته ، لكنه لم يعر الأمر اهتماما بالغا ، ولم يخطر على باله ولو لمرة واحدة أن يذهب لزيارتهما ، أو على الأقل للتعرف على هذا الإبن الذي جاء في يوم من الأيام يطلب نسبه .
وجاء هذا الحلم الذي يسميه الرجل رؤيا ! رأى في المنام ابنه وهو يقول له : " لن أسامحك أبدا ، وغدا يوم القيامة سأنال منك ، وستدخل النار بسببي ."

لم يعد الرجل في تلك الليلة إلى الفراش ، وانتظر حتى الصباح ليذهب إلى منزل تلك المرأة من أجل أن يرى ابنه . لكن الوقت كان قد فات ! لقد أخبرته المرأة وهي تبكي بمرارة أن ابنه قد فارق الحياة ، بعد أن رمى بنفسه من فوق العمارة التي يقطنون بها.
- مات !!؟؟

كانت آخر كلمة ينطق بها الرجل ، لأنه سقط بعدها من طوله ، وكانت روحه قد فارقت جسده .
أما الغريب في الأمر هو أن القبر الذي دفن فيه الرجل كان يجاور القبر الذي دفن فيه ابنه ، بحيث لم يكن بينهما أي قبر آخر !

مصطفى دهور . أستاذ اللغة الفرنسية.
الدار البيضاء .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

سؤال. والصمت الجواب ... كلمات .. عبدالفتاح غريب

  سؤال. والصمت الجواب من أضناه بعد طول الصبر الحنين ومضى على درب ذكرى ولت بمحراب الوتين دام بحلم باللقاء يناجي نجم طيف بالرجاء حجب عن حناي...